مع تعدد وسائل الإعلام الخاصة في قطاع الإعلامي الجزائري فتح المجال أمام جيل جديد من الإعلاميين اغلبهم من غير خريجي اختصاصات الإعلام والاتصال، لمن يراودهم حلم امتهان الصحافة للعمل كصحفيين أو مراسلين أو مقدمي أخبار في هذه القنوات. لكن الظروف المهنية للصحفيين العاملين بالقطاع الخاص ما تزال بعيدة عن الشروط المهنية التي تضمن كرامة العاملين في هذا المجال سواء على المستوى القانوني أو الاجتماعي.
حسب دراسة بالغة الفرنسية للباحثة نبيلة علجية بوشعالة، مديرة قسم الصحافة بالمدرسة العليا للصحافة وعلوم الإعلام بالجزائر وبعنوان “صحفيي القنوات الجزائرية الخاصة سنة 2015: وجوه جديدة، ممارسات جديدة” ونشرت في العدد الأخير لمجلة L’Année du Maghreb، فان هذه الفئة من الإعلاميين الجدد في القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر تعاني من ظروف مهنية و اجتماعية صعبة بسبب الأوضاع التي يعملون فيها، وتناولت الدراسة التي كانت في شكل تحقيق أجري مع عشرين صحفي من ستة قنوات خاصة مختلفة، حول “الممارسات المهنية في سياق نشأة هذه القنوات، بهدف فهم مشهد السمعي البصري الجزائري في القطاع الخاص و الدور الذي يقوم به الصحفيون في صياغته.”
مشاكل القنوات الخاصة لا تقتصر على المشاكل ذات الطبيعة المادية المتمثلة أساسا في تدني الرواتب، وغياب الحماية الاجتماعية، والحرمان من السكن وغيرها، فنجد أيضا مشاكل ذات الطابع المهني فبعض الصحفيين يضطرون للعمل في أكثر من منصب داخل نفس المؤسسة.
المشاكل المادية
رغم أن أبواب المؤسسات الإعلامية مفتوحة أمام الجيل الجديد للعمل فيها حتى مع انعدام الخبرة المهنية و انعدام الاختصاص في المجال الإعلامي إلا أن الأوضاع التي يقبل بها الصحفيون الذين يعملون في قطاع الإعلام الجزائري تعتبر متدهورة بصفة عامة خاصة إذا اخذ بعين الاعتبار أن الأجر الأدنى الوطني محدد 18،000 دينار ما يعادل (150 يورو) وهو عادة الأجر الذي يسند لكلّ صحفي في بداية حياته العملية، ومقارنة مع هذا الأجر الزهيد نجد أن الصحفي مطالب بعدد كبير من ساعات العمل في الأسبوع.
من التجاوزات الغير مهنية الأخرى التي يضطّر الصحفيون إلى القبول بها هي العمل دون تأمين اجتماعي وفي بعض الأحيان العمل دون الحصول على نسخة من العقد المهني الذي يحدد حقوق الصحفي وواجباته تجاه مؤسسته الإعلامية والمنصب الذي سيوكل له داخلها إضافة إلى أن فترة التدريب غير مدفوعة الأجر خاصة مع غياب الاعتراض على هذا المبدأ بعد أن أضحى هذا شرطا للإلحاق بالحياة المهنية.
المشاكل المهنية
مشاكل مادية تتبعها مشاكل مهنية و التي يبقى أهمها غياب نقابة فعلية تدافع عن حقوق الصحفيين مع عدم تمتع الإعلاميين و الصحفيين بالبطاقة الصحفية المهنية التي تحميهم وتسهل عملهم، أما على المستوى الداخلي فان أكثر المشاكل التي تعترض الصحفيين الجزائريين هي غياب أبسط وسائل العمل.
وهو ما بينته الدراسة التي اعتمدت على إجراء مقابلات شبه منظمة مع 20 صحفي على أساس المعايير التالية: التنوع في الوضع داخل المؤسسة والمكافأة والتدريب والخبرة في العمل والعمر والجنس، أما بالنسبة لاختيار وسائل الإعلام فكان على أساس نوع الملكية ثلاث مؤسسات إعلامية أسست من طرف الصحفيين وهي (الشروق TV، النهار التلفزيون وKBC)، وهي تصدر ثلاث جرائد يومية ، وثلاثة مؤسسات أخرى تعود ملكيتها إلى رجال الأعمال العاملين في الشؤون السياسية (الجزائر نيوز، دزاير تي في و الوطن). ونظرا لغياب إحصائيات دقيقة عن عدد الصحفيين في كل مؤسسة إعلامية وقع اختيار الصحفيين حسب قابلية التعاون
بينت الدراسة أن المؤسسات الخاصة التي تمتلك جرائد وقنوات قامت بتحويل جزء هام من الصحفيين الذين كانوا يعملون في الصحافة المكتوبة إلى الإعلام البصري دون تقديم تكوين في هذا الصدد، كما بينت أن نسبة من الصحفيين الذين يعملون في هذه المؤسسات الإعلامية يعملون للصحافة المكتوبة والمرئية في نفس الوقت رغم اختلاف تقنيات التحرير والكتابة بينهما.
لا تقف التجاوزات عند هذا الحد فبالنسبة للقنوات الخاصة قد يضطر الصحفي إلى العمل في أكثر من منصب بين قسم الإنتاج و القسم الصحفي و في بعض الأحيان العمل كصحفي و مصوّر في نفس الوقت أو مقدم برامج وصحفي ، مراسل صحفي ومحرر لموقع الواب .
كما تطرقت الدراسة أيضا إلى طريقة إسناد مناصب متعلقة برئاسة تحرير أو رئاسة قسم لشباب دون خبرة كافية في المجال الإعلامي حيث بين أنه من بين الصحفيين الذين شملهم البحث هنالك من أوكلت له خطة رئيس قسم مع أن خبرته في مجال الصحافة لا تتجاوز الثلاث سنوات.
لا تقف تجاوزات القنوات الخاصة هنا فمع فتح الباب أمام المتخرجين الجدد من شعب غير شعب الإعلام و الصحافة تم تكوين إعلاميين يعملون في الأخبار و السياسة مع جهلهم بأسس العمل الصحفي و كتابة الأخبار وحسب العينة التي اعتمدتها الدراسة فان ثلاثة صحفيين فقط من مجموع عشرين مستجوب هم من خرجي معاهد الصحافة و الإعلام في حين ينتمي بقية المستجوبون لشعب أخرى منها اللغات والعلوم السياسية وعلم الاجتماع ، والغريب أن أحد أفراد العينة هو مقدم أخبار في قناة دزاير تيفي في حين انه خريج هندسة إلكترونية.
خلصت الدراسة إلى نتيجتين أساسيتين حول واقع صحفيي القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر. الأولى هي خلق جيل جديد من الإعلاميين يفتقرون إلى الاحتراف الذي ينطلق بغياب التكوين الصحفي ويتعمق بغياب الدورات التكوينية خلال المسيرة المهنية.
و تتمثل النتيجة الثانية في محاولة توضيح العلاقة الرابطة بين الصحفيين وغرف التحرير و المجتمع بهدف تطوير القطاع السمعي البصري من خلال سياسة إعلامية واضحة و دقيقة.
حقوق الصورة @dzaierinfo
وسوم: Année du Maghreb • أخلاقيات المهنة • الإطار القانوني • الإنتاج الصحفي • جزائر • خريجي معاهد الإعلام • صحفيين • مؤسسات إ‘لامية • مهنة الصحافة