يعتبر خبر حرق المسلمين في بورما من قبل البوذيين وقصة المصحف الشريف والخنازير في قضية الفيلم الدنماركي المسيء للإسلام وخبر تظاهر حسناوات السويد للمطالبة بالزواج إشاعات انتشرت سنة 2014 بمختلف أرجاء المعمورة عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة دون التثبت من صحتّها.
في دراسة نشرت بالعدد 17 من المجلة العربيّة للإعلام والاتصال الصادرة عن الجمعية السعوديّة للإعلام والاتصال تحت عنوان ”دور التفكير النقدي في عقلنة التعامل مع الإشاعات على شبكات التواصل الاجتماعية“، تطرق الدكتور الصادق رابح* بالاعتماد على الأسلوب الوصفي الاستقصائي التحليلي إلى مراحل تشكل الإشاعة من منظور التأثير الاجتماعي وآليات انتشارها بشبكات التواصل الاجتماعي إضافة إلى كيفية تبّني الفكر النقدي للتصدّي لهذه الظاهرة بالرغم من أنّ الطبيعة البشريّة تميل إلى نشر الإشاعات. ممّا يؤكد أهميّة تربية الأفراد على الفكر النقدي وتصميم أنظمة تكنولوجيّة واجتماعيّة لدعم هذا التفكير عند مختلف الفئات الاجتماعيّة.
وأشار الباحث في بداية ورقته العلميّة إلى أن مصطلح ”الإشاعة“ ظهر في القرن الثالث عشر للتعبير عن ”موقف غاضب أو استنكاري يصدر عن الفرد حيال وضع ما غير مقبول“. ولكنّ المصطلح لم يحافظ على نفس التعريف مع مرور الزمن ليتحوّل مفهومه خلال القرن الثامن عشر إلى ”ضجة يكون مصدرها الصراع والفتنة“. ثمّ اكتسب هذا المصطلح المفهوم الحالي خلال القرن التاسع عشر في إشارة إلى ”المضامين السيّارة التي تنتقل من خلال أحاديث الناس“.
وتساعد العديد من العوامل النفسيّة والاجتماعيّة على انتشار الإشاعة حيث أنّها تسهم في مرحلة أولى في التأثير بالسجل العاطفي فيما تحاول في مرحلة ثانية التلاعب بقدرة المستهدفين على إصدار حكم موضوعي. وبالتالي يصعب الحديث عن ضحايا حين يتعلّق الأمر بالإشاعة لأنّ تداول الإشاعة يتمّ بإرادة الفرد بل إن وجود رغبة في تصديق الإشاعة يسهم في انتشارها. ثمّ إنّ حاجة الأفراد إلى فهم ما يحدث حولهم وغياب المعلومات يذكي انتشار الإشاعة بل إنّ هناك العديد من المتغيرات تؤثر على انتقالها وتداولها منها الدقة والقلق وأهميّة الأحداث موضوع الإشاعات. واختار إذن الباحث أن يصنّف الإشاعة وفق ثلاث خصائص: الظرف ووضعية الانتشار والمضمون.
كما أكدّ الباحث على أهميّة شبكات التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات أو لنشرها مع أكبر عدد ممكن من الأفراد بالعالم الافتراضي، مضيفا أنّ الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي يتزايد إثر حدوث حركة احتجاجية أو فيضانات أو عمليّة إرهابيّة. ويغتنم إذن بعض الأفراد هذه الفرصة خلال هذه المناسبات لنشر الإشاعات والتضليل والتلاعب بعقول روّاد الانترنت حيث أشار الكاتب أنّ شبكات التواصل الاجتماعي هي ”تربة خصبة للتضليل الإعلامي ونشر الإشاعات والأقاويل والأراجيف والتلاعب بعقول الناس وعواطفهم، خاصة خلال الأزمات“. ذلك أنّ مروجي الإشاعات يعتمدون على ”صيغ تعبيريّة تحفيزية ومراوغة تستثمر آليات سيكولوجية قد يجد الكثير من الأفراد صعوبة في مقاومتها من قبيل (سارع إلى نشرها قبل الحذف) أو (هل لديك الجرأة لإرسالها لمن تعرف؟) أو (لا تجعلها تتوقف عندك)“.
وأشار الدكتور الصادق رابح إلى أنّ وفرة المعلومات بشبكات التواصل الاجتماعي تطرح مسألة معايير انتقاء المعلومة والقدرة على استيعابها وتمثلها ومن ثمّ معالجتها. ممّا يستدعي الأفراد إلى التثبت من المعلومات التي تنشر عبر الواب وخاصّة على شبكات التواصل الاجتماعي. لكن ذلك يحتاج إلى تفعيل بعض المهارات كالثقة بالنفس وتبنّي إستراتجية تقوم على التأكد من مصدر المعلومة والتاريخ والأفراد الفاعلين وطرح بعض الأسئلة : ”هل المؤشرات التي تضمنتها المعلومة معقولة ؟ هل الأشخاص المذكورون على علم بها؟ هل هناك عدم اتساق في نصّ الإشاعة؟ هل الحجج العلميّة المستخدمة منطقية؟ الخ…“
وساهمت أيضا شبكات التواصل الاجتماعي حسب هذه الدراسة في إعادة تشكيل طرق العمل الجماعي، إذ ذكر الباحث بعض الأمثلة التّي لعبت خلالها هذه الوسائل دورا مهمّا لتأكيد معلومات أو لنفيها، على غرار ثورات ”الربيع العربي“ والعدوان على غزة. وتعدّ المقاربة التجميعيّة حسب الباحث من أكثر المقاربات انتشارا ”حيث أنّها تحيل إلى الذكاء الجماعي التي تقوم الآلات بتوليده انطلاقا من الذكاء البشري للأفراد قد يكونون متباعدين جغرافيا، ولكنهم مترابطون شبكيّا“. ويضيف الباحث أنّ أدوات الذكاء البشري تقوم ”بالتقاط مشاركات المستخدمين في الفضاءات الرقميّة وتجميعها، ومن ثمّ توليد فهم أفضل للمحيط الذي يتحرك فيه الأفراد، وهو ما يقود بدوره إلى اتخاذ قرارات وممارسات أكثر ذكاء ودقّة“، مذكرا في الآن ذاته بتعريف بيار ليفي للذكاء الجماعي كـ”شكل من أشكال الذكاء الموزع بشكل كوني والخاضع للتحسين المستمر والمتناغم بشكل آني والذي ينتج عنه استثمار فعلي وفعال لكل المهارات“. ممّا يمكن الأفراد من التفكير بشكل جماعي بهدف فهم ومعالجة قضايا مفاهيمية وخلافية مثل صناعة القرارات وإدارة البيئة والكشف عن الإشاعات.
كما أصبحت بعض شبكات التواصل الاجتماعي تتمتع بآليات للحدّ من انتشار الأخبار الزائفة والمغلوطة. فالشارة الزرقاء بالفايسبوك أو التويتر التي توجد بجانب صاحب الحساب أو عنوان الصفحة يؤكد أنّه حساب رسمي وليس مزيّفا. وقد تم منذ فترة تطوير تطبيق التصويت للمضامين، مما أسهم في الحدّ من انتشار الإشاعة. ممّا يؤكد أهميّة العمل الجماعي للحدّ من انتشار الإشاعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
* أستاذ مشارك، كلية الإمارات للتكنولوجيا، الإمارات العربيّة المتّحدة.
وسوم: الإشاعة • العالم الافتراضي • شبكات التواصل الاجتماعي