تونس: انطلاق برنامج تفعيل حق المواطن في الإعلام

6 March، 2023 • آخر المقالاتأبرز المواضيعالأخلاقيات والجودةالإعلام والسياسةالتغطية الإعلاميّةالمساءلة الاعلاميةحرية الصحافة • المحرر(ة)

بداية من جانفي 2023، ينطلق مركز تطوير الإعلام (جمعية تونسية تأسست بتاريخ 24 جوان 2014)، في إنجاز برنامج “تفعيل حق المواطن في الاعلام” الذي يشرف عليه المركز بتمويل من المؤسسة الأورومتوسطية لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان (FEMDH).

يهدف هذا البرنامج إلى تكريس حق المواطن في الإعلام في تونس باعتباره حق دستوري جديد محمول على الدولة ويحتاج تنزيله على أرض الواقع إلى نصوص تشريعية وآليات هيكلية لم تتوفر بالقدر المطلوب منذ إدراجه ضمن دستور 27 جانفي 2014 في مادته عدد 32 التي جاءت صياغتها كالآتي: “تضمن الدولة حق المواطن في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة. تسعى الدولة إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال”. وقدأبقىدستور 25 جويلية 2022 على هذه المادة دون تغيير.

ومن الأهداف الخصوصية لهذا البرنامج:

  • مزيد التعريف بحق المواطن في الإعلام وتحديد عناصره ومكوناته باعتباره من الجيل الأخير لحقوق الانسانمن خلال لقاءات علمية ودراسات أكاديمية
  • استعراض النصوص القانونية والهياكل المعنية بالحق في الاعلام وتحليلها والوقوف على مزاياها ونقائصها
  • إعداد توصيات بهدف تحيين هذه النصوص وتطويرها
  • توفير مادة علمية صالحة للمناصرة لدى الحكومة والبرلمان والهيئات التعديليةوالمنظمات المهنية من أجل مساعدتها على وضع سياسة عمومية إعلامية كفيلة بتفعيل حق المواطن في الاعلام وذلك بسنّ التشريعات وبإرساء الهياكل والآليات الضرورية لتوفيرمشهد إعلامي يوفّر مختلف عناصر الحق في الإعلام.

شرح الأسباب:

مباشرة إثر انهيار نظام بن علي يوم 14 جانفي 2011 وانتصاب هياكل وآليات مرحلة “الانتقال الديمقراطي”، طرحت المسألة الإعلامية كإحدى أولويات المرحلة الجديدة بالتزامن مع مسألة الإصلاح السياسي.

وتجسّدت العناية بقطاع الإعلام من خلال الإجراءات التي أسّست لمشروع إصلاح الإعلام في مرحلة الانتقال الديمقراطي.

وبالتوازي مع عمل اللجنة الفرعية للإعلام المحدثة في صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، تم إحداث الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال بمرسوم 2 مارس 2011، وهي التي تولّت الإشراف على تشخيص أوضاع القطاع وإعدادمشاريع النصوص القانونية الجديدة الضامنة لحق النفاذ إلى المعلومات والمنظمة لحريات التعبير والصحافة والطباعة والنشر، إلى جانب حرية الاتصال السمعي البصري. كما ساهمت في تعيين مسؤولين جدد على رأس مؤسسات الإعلام العمومي والمؤسسات المصادرة وأشرفت على إسناد تراخيص البث لعديد القنوات الإذاعية والتلفزية الجديدة.

كل هذه المكاسب التاريخية أمكن تحقيقها في أقل من ثمانية أشهر أي قبل انتخابات أكتوبر 2011 وتشكيل حكومة الأحزاب الفائزة في الانتخابات بقيادة حزب حركة النهضة الإسلامي. وكما كان متوقعا،حاولت الحكومة الجديدة برئاسة القيادي في حزب حركة النهضةحمادي الجبالي، الاستقواء بما أسمته “الشرعية الانتخابية” لإلغاء مكاسب الفترة الانتقالية الأولى ولكنها اصطدمت بمقاومة المجتمع المدني والمنظمات المهنية والحقوقية. وإن نجحت هذه الأطراف في المحافظة على مراسيم حريات التعبير والإعلام، إلا أن أحزاب الائتلاف الحاكم نجحت في إبعاد قطاع الإعلام عن مجال رعاية الدولة وأسّست لمرحلة إقصاء الإعلام من مشمولات الحكومة ومن اهتمام اللجان البرلمانية، مستغلة مقولة أن “إلغاء وزارة الإعلام من معايير الانتقال الديمقراطي”.

وكما كان متوقعا أيضا، تعمّدت الحكومة الجديدة تجاهل الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، التي اختارت تبعا لذلك إنهاء مهامها في جويلية 2012، بعدأن أصدرت تقريرها العام حول أوضاع الإعلام. ويتضمن هذا التقرير المرجعي توصيات مفصّلة لإصلاح القطاع. وقد استأنست منظمة اليونسكو بهذا التقرير عند إصدارها في أكتوبر 2012 لتقريرها بعنوان “تطوير وسائل الإعلام في تونس” والذي تم إعداده طبقا لمؤشرات اليونسكو لتطوير الإعلام لسنة 2008.

وبمقارنة توصيات اليونسكو لسنة 2012 بما أنجز منها،يتبيّن أن حصيلة مسار “إصلاح الإعلام”، الذي حظي بتدفقات مالية هائلة رصدتها المنظمات الدولية بسخاء، لم يحقق هدفه الرئيسي المتمثل في الارتقاء بالمنظومة الإعلامية والاستفادة من مساحة الحرية التي أهدتها ثورة 14 جانفي 2011 إلى الشعب التونسي. وليس أفصح من الأوضاع الصعبة التي تعيشها اليوم مؤسسات الإعلام العمومي والمؤسسات الإعلامية المصادرة لإقامة الدليل على اختناق “نموذج الفوضى” الذي أسهمت بعض الأطراف الراعية لمسار “إصلاح الإعلام” في بلورته، مستفيدة في ذلك من الدعم الخارجي في ظل ضعف الدولة وغياب سلطة إشراف متخصصة ذات ولاية على قطاع الإعلام والاتصال.

ومع ذلك لا مجال لإنكار بعض المكاسب التي تحققت رغم انحرافات مسار إصلاح الإعلام، ومن أهمها إحداث الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في 2013 وإصدار القانون الأساسي المؤرخ في 24 مارس 2016 والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة وتشكيل هيئة النفاذ إلى المعلومة، إضافة إلى حذف الرقابة وتوفر مساحة كافية لممارسة حريات التعبير والإعلام على المحامل التقليدية وعلى شبكات التواصل الرقمية.

تطوير الحق في الاعلام، مقاربة بديلة بعد فشل مسار إصلاح الإعلام

بداية، من المفيد أن نذكّر بأن الأولوية بعد 14 جانفي 2011 أعطيت لإطلاق الحريات، وكان هذا خيار يفرض نفسه للتحرر من قيود الرقابة ومن كابوس الخوف من بطش نظام بن علي وأجهزته القمعية.

لذلك لم يتعرض المرسومان 115 و116 للحق في الاعلام، وكان التركيز على ضمان الحريات خيارا واضحا في المرسوم عدد 115-2011:”الحق في حرّية التعبير مضمون …”

وحتى القانون الأساسي المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة المؤرخ في 24 مارس 2016 ورد خاليا من الإشارة إلى الحق في الإعلام. ويهمنا بهذا الصدد أن نوضح الفرق بين هذين الحقين المتشابهين ظاهريا إلى حد أن أغلبية المهتمين بالحريات الإعلامية لا يرون فرقا بينهما. ويمكن باختصار اعتبار أن الحق في النفاذ إلى المعلومة هو حق فرعي لحق عام هو الحق في الإعلام، الذي له عناصر ومكوّنات أخرى لا تقل أهمية عن الحق في النفاذ إلى المعلومة سيتم بيانها من خلال هذا البرنامج.

وبناء على ذلك نخلص إلى سؤال إشكالي مفاده أن تواضع حصيلة مسار إصلاح الإعلام خلال العشرية الماضية مرده ولو جزئيا إلى الاهتمام بحرية الاعلام وبأوضاع المهنيين، وهي مشاغل مشروعة، على حساب حاجيات الجمهور الإعلامية وحق المواطن في الحصول على خدمة إعلامية مستجيبة لقواعد الجودة والاستقلالية والتعددية في كنف الضوابط المهنية والأخلاقية المعمول بها دوليا. وإن كان لهاذا البرنامج من طموح، فهو الإسهام في رسم ملامح مشهد إعلامي متطوريسمحبتوجيه الممارسات الصحفية نحو غايتها الأصلية والمتمثلة في تلبية حق الأفراد في إعلام جيد ومستقل ومتنوع يمكّنهم من التصرفكمواطنين مطلعين وقادرين على مراقبةالسلطات العامةوعلىالمشاركة في الأنشطة المدنية وفي الحياة السياسية.

وسيتم يوم 11 نوفمبر 2023 تقديم الكتاب الجماعي حول تفعيل الحق في الاعلام الذي سيشارك في صياغته 12 باحثا من المختصين في علوم الاعلام والاتصال. وسيضع مركز تطوير الاعلام هذا الإصدار على ذمة العموم على أمل أن يسهم في إنارة السبيل أمام أصحاب القرار ويحثهم على ترجمة أهم توصياته إلى مبادرات تشريعية تكرس الحق الدستوري في الاعلام على أرض الواقع.

وسوم:

Send this to a friend