الضبط المشترك للتلفزة الوطنية المغربية: عملية غير مكتملة للديمقراطية التشاركية

6 November، 2017 • آخر المقالاتأبرز المواضيعالأخلاقيات والجودةالإعلام والسياسةالرقابةالصحافة المتخصصةحرية الصحافة • المحرر(ة)

خلال الزلزال الذي ضرب مدينة الحسيمة (الواقعة في شمال المغرب) في جانفي/ينايير 2016، استاء المواطنون من غياب التلفزيون الوطني SNRT عن تغطية الحدث كما ينبغي. وظهر هذا الاستياء في وسائل الإعلام الأخرى. وهكذا، فإن دراسة طرق المساءلة وآثار غيابها على الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، قاد الدكتور عبد اللطيف بن صفية إلى إثارة مسألة الضبط المشترك كشكل من أشكال الديمقراطية التشاركية.

وقد أكد الباحث أن الدستور المغربي الجديد الذي أعلن عنه سنة 2011 في سياق ”الربيع العربي“، قد وضع الديمقراطية التشاركية في الصدارة. وقد مثّل تدخل المواطن في عملية مساءلة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، موضوع مقال الدكتور عبد اللطيف بن صفية، الذي نشر بالكتاب الجماعي، ضمن المنشورات الجامعية لجامعة لافال في ديسمبر 2016، تحت عنوان ”السلطة الخامسة، المساءلة الجديدة لوسائل الإعلام أمام جمهورهم“ بإشراف البروفسور مارك فرانسوا بيرنييه Marc François Bernier.

الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، مثال ملموس للضبط المشترك؟

تتمظهر مساءلة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة في مجالين: المؤسسات (الحكومة، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والبرلمان) والجمهور (المهنيون والنقابات ووسائل الإعلام والمواطنون والمجتمع المدني). وأشار الباحث إلى أن المساءلة هي ”عملية تضمّ جهات فاعلة ومختلفة (المنتجون والمشرعون والمستفيدون، وما إلى ذلك) بهدف تنفيذ مهمّة ما وتحسينها وإتمامها وتكييفها حسب توقعات وانتظارات المواطن“.

ثمّ إنّ إضفاء الطابع الديمقراطي على شبكة الإنترنت وسهولة النفاذ إلى الشبكات الاجتماعية سمح للمواطن للتعبير عن نفسه بشأن المواضيع والمحتويات الإعلامية، أو طلب توضيحات أيضا، في كثير من الأحيان التي يلحظ فيها تقصيرا أو حيادا عن الموضوع. إلى جانب ذلك ، لم تعد مساءلة وسائل الإعلام حكرا على المسؤولين المهنيين وحدهم، بل أصبحت أمرا شائعا، للمواطنين، والهيئات، وقبل كل شيء، أصبح أمرا دوليا.

وقد احتشد العديد من المواطنين المغاربة المستخدمين للانترنيت على الشبكات الاجتماعية، بما في ذلك الفايسبوك، للحديث عن محتوى بثّ الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. وخلال شهر رمضان 2015، أنشأ عدد من الطلاّب الشباب صفحة على موقع الفايسبوك، للتعبير عن عدم الرضا العام عن البثّ التلفزيوني الوطني، ونددوا بـ ”افتقاره للإبداع واتسامه بالتفاهة“.

ويستخدم المواطن المغربي بشكل عام، هاتفه بسهولة أكبر (المكالمات أو الرسائل النصية القصيرة)، وأحيانا لا يتردّد في التنقّل بين بعض محطات الإذاعة الجهوية، حسب ما أكدّته خديجة بقّالي، مديرة الإذاعة الجهوية بتطوان. لكّن في المقابل يستخدم أيضا بريده الإلكتروني ليكون على اتصال مع وسيط الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. إلى جانب هذا فإنّ المساءلات العديدة والمتواترة التي ترد على الشركة عادة ما تتّم عبر البريد الالكتروني، بصفة متكرّرة وخلال مناسبات عديدة. ويبيّن تقرير الوسيط الإعلامي لعام 2014 وصول 4450 رسالة الكترونية إلى المؤسسة الوطنية للإذاعة والتلفزة.

ويؤكّد الكاتب أيضا أن المواطنين لا يتفاعلون بشكل جماعي أو بنفس الطريقة مع محتويات جميع الأجهزة التي تتناول نفس الموضوع. ومن المؤكد أنّ أجهزة الصحافة توفّر مساحات للتعبير لمستخدمي الإنترنت، ولكن يتمّ تحديد المساحة وفقا لنفس مواثيق النشر التي تتناسب معها.

إضافة إلى ذلك، توجد جمعيات من المجتمع المدني المغربي متخصصة تحمل صوت المواطن وتدافع عن حقوقه ضدّ ممارسات وسائل الإعلام. وذكر الدكتور بن صفية في هذا الإطار المنظمتين التاليتين: الجمعية المغربية للإعلام والاتصال التي أنشئت في عام 1999، والجمعية المغربية لحقوق المشاهدين، التي أنشئت في عام 2009. وأكدّ الباحث أن ”المواطن يتدخّل بصفة متواضعة في مساءلة وسائل الإعلام العمومية من خلال منظمّات المجتمع المدني“. وأشار أيضا إلى أنّ المناقشات الأكاديمية والمهنية، التي يقع تنظيمها من طرف المجتمع المدني بصفة خاصة، ليست منتظمة.

مساءلة المؤسسة الوطنية للإذاعة والتلفزة من طرف الجمهور وردّ فعلها

حسب الدكتور عبد اللطيف بن صفية، فإنّ المؤسسة الوطنية للإذاعة والتلفزة لا تتطرّق لبعض المواضيع المتعلقة بالحياة اليومية للمواطنين، حيث يبدو للمواطنين أنّها أن ”لا تهتم بما فيه الكفاية لجمهورها ولا تلتزم بصفة جدية بمقتضيات كرّاس الشروط (دفتر التحملاّت)، وخاصة فيما يتعلّق بمساهمته لتفعيل الأحكام الحديثة للدستور الجديد (2011)، لاسيما تلك المتعلّقة بالحريات (المادة 25) والمساواة (المادة 19) ومشاركة المواطنين الديمقراطيين والتنمية الجهوية (المادة 1)“.

كما أضاف الكاتب أنّ ”المعلومات التي يقدمها مسئولو الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تسمح لنا بفهم ردّ فعلها بشأن المساءلة، يتجلّى من خلال هيئاتها الإدارية والتحريرية ومن خلال التنظيم الذاتي، أي ردود الإدارة القانونية، والمداولات التي تحدث في هيئة التحرير، وما يقدمه الموفّق الإعلامي واتصالاّته المباشرة مع الجمهور، لجنة اختيار البرامج، لجنة أخلاقيات البرنامج وميثاق التحرير، وقسم الاتصال، ووحدة الأصناف ووحدة التعددية“.

كما ركّز الكاتب على عدم وجود هيكل مكلّف بتسيير المساءلات الواردة على هيئات السمعي البصري العمومي، والتي تتمثّل مهمتها في معالجة الاستجوابات والتنسيق وإعداد الردود. وهكذا، فانّ كل مدير يكتفي بالتدخل على مستوى القسم الذي يرأسه وفي إطار مهامه، لكن دون أن يكون هذا ظاهرا ومرئيا. ومن ثمّ، فإنّ إدارة المساءلة الحالية ليست مجهزة وغير مفوّضة للردّ على المساءلات. إضافة إلى أن دور الموفّق في التلفزة الوطنية، على الرغم من أهمية هذه الخطّة في تعميم وتعزيز ثقافة الإعلامية إلاّ أنّ حضورها موسمي وإصداراتها متباعدة وغير منتظمة.

وأكدّ الكاتب في الأخير أنّ ”الضبط المشترك لوسائل الإعلام العمومية لا يزال يعتمد إلى حد كبير على بيئة ديمقراطية تضمن لجميع مكونات المجتمع المساواة في الحقوق بين الفئات الاجتماعية من حيث المعلومات والترفيه، التي تلزم وسائل الإعلام العمومية أكثر من الخاصة على ضمان خدمة إعلامية ذات جودة“. وهكذا يبدو واضحا أنّ الديمقراطية المدنية والتشاركية التي تحدّث عنها الدستور المغربي الجديد لا يمكن أن توجد إذا كان المواطنون غير قادرين على الوصول إلى المعلومات أو التعبير عن آرائهم بكلّ حريّة من خلال وسائل الإعلام العموميّة.

وللتذكير فانّ الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية تضمّ باقة متألّفة من ثمان قنوات تلفزية وهي كالآتي: قناة الأولى، وقناة لعيون، والقناة الرياضية، والقناة الثقافية والقناة المغاربية، والقناة السادسة، وقناة أفلام TV وقناة تامازيغ. إضافة إلى أربع قنوات إذاعية: الإذاعة الوطنية المغربية والقناة الدولية، وإذاعة محمد السادس القرآنية، والإذاعة الأمازيغية.

كما تتألّف الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية من 12 إذاعة جهوية. وهي كالآتي: إذاعة أغادير، وإذاعة الدار البيضاء، وإذاعة دخلا، وإذاعة فاس، وإذاعة العيون، وإذاعة مراكش، وإذاعة مكناس، وإذاعة وجدا، وإذاعة طانجة، وإذاعة تاطوان، وإذاعة الحوسيمة، وإذاعة ورزازات.

ملاحظة: نشر هذا المقال بالنسخة الفرنسية للمرصد العربي للصحافة وتمّ ترجمته من قبل وداد حامدي

 

وسوم:

Send this to a friend