عقب صدور تقرير منظمة مراسلون بلا حدود لسنة 2019 أصدرت وزارة الثقافة والاتصال المغربية بيانا رسميا عبّرت فيه عن رفضها لما جاء في التقرير، الذي صنّف المغرب ضمن الدول التي “تعاني فيها الصحافة من المخاطر”.
واعتبرت الوزارة أن هذا التقرير مثله مثل التقارير السنوية السابقة للمنظّمة “سجّل إخلالا جديدا بقواعد الموضوعية وغيابا لمعايير الدقة والنزاهة”، وحسب نصّ البيان فإنّ “هذا التصنيف يكذّبه أيضا واقع الممارسة المهنية الحافلة بمواعيد وتدابير تنظيمية تسعى إلى تكييف الهياكل الإعلامية مع أجواء الانفتاح والديمقراطية والحرية التي يرعاها القانون، كما جاء في تقارير رسمية موثّقة للوزارة تُثبت وجود مؤشّرات إيجابية تدلّ على احترام حرية الصحافة والنشر بالمغرب”
وبيّنت الوزارة أنها وفي إطار ” انفتاح المغرب على الإعلام، تمت الاستجابة لـ882 طلب رخصة تصوير، منها 485 لفائدة الأعمال الوطنية، و397 لفائدة الأعمال الأجنبية. كما تمت، برسم سنة 2018، معالجة ودراسة ما يزيد عن 1000 ملف همّ إدخال واستيراد معدات التصوير، وكذا الترخيص بتصوير روبورتاجات وأفلام وثائقية وتغطيات إعلامية مختلفة”.
انتقاد تقرير مراسلون بلا حدود لم يكن من طرف السلط الرسمية فقط بل كان أيضا من طرف نقابة الصحفيين، ففي تصريح لعبد لله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، إعتبر انّه “لا يثق، دائما، في تقارير مراسلون بلاد حدود لأن الطرف الذي ينجزها شخص مواقفه معروفة من المغرب“، وبالتالي، فهذه التقارير “تفتقد إلى كثير من المصداقية، وما تنشره على الصحراء المغربية تلفيقات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة”.
كل ما قدمّته الوزارة من معطيات وما اتخذته حسب بيانها من إجراءات لم يحسّن من ترتيب المغرب على مستوى حرية التعبير والصحافة، فحسب تقرير مراسلون بلا حدود يحتلّ المغرب المرتبة 135 من جملة 180 بلدا وهو المركز نفسه الذي احتله السنة الماضية، بعد تراجعه بمركزين مقارنة بـ 2017 ليكون بذلك في المنطقة “الحمراء” التي تصفها المنظمة بـ”الوضع الصعب”.
وتعتمد مراسلون بلا حدود في تقييمها على عديد المؤشّرات منها تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحافيين ومستويات الرقابة الذاتية في المنطقة، وتصنيفها للمغرب كان وفقا لمعطيات تفيد بممارسة “ضغط قضائي قويّ على الصحافيين إلى جانب ارتفاع عدد الدعاوى القضائية التي استهدفت الصحافيين المهنيين وارتفاع عدد من يقبعون في السجون، كما إن التضييق شمل أيضا فئة صحافة المواطنة”، وحسب نفس المصدر تعمّدت السلطات المغربية عرقلة عمل وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية التي اشتغلت على ملف حراك الريف أو ملف الهجرة.
من أشهر الاعتقالات الواردة في تقرير 2019 اعتقال توفيق بوعشرين مدير صحيفة “أخبار اليوم” اليومية المستقلة، الذي أصدرت في حقّه محكمة مغربية حكما بالسجن لمدة 12 عاما، بعد إدانته بتهم الاغتصاب ومحاولة الاغتصاب واعتداءات جنسية، لكن حسب نفس المصدر فإنّ “القضية شابتها العديد من الخروقات لضمان محاكمة عادلة، من خلال الضغط على مشتكيات، منهن صحافيات، للإدلاء بشهادة في قضية هن منها براء، وتم الزج بهن عنوة في هذه القضية”.
وأبرزت المنظمة أن بوعشرين متابع أيضا بقضايا أخرى مرتبطة بحرية الصحافة والإعلام وتتابعه فيها وزارة الداخلية. وتعتبر صحيفة أخبار اليوم التي يديرها بوعشرين ذات مواقف مستقلة كما انّه يصنّف ككاتب الافتتاحيات الأول في المغرب، وهو من يتجرأ على انتقاد بعض الخطوط الحمراء الموجودة في المغرب كالملكية والدين والهجرة التي أضحت، أيضا، خطا أحمرا خاصة المواضيع ذات العلاقة بوضعية المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء.
ومن الصحفيين أيضا الذين ذكرهم تقرير 2019 حميد المهداوي، الذي أدين ابتدائياً، في الصيف الماضي، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “عدم التبليغ عن جريمة تمسّ بسلامة وأمن الدولة”. كما سبق وان حوكم بثلاث أشهر عقب تغطيته لحراك الحسيمة.
إيقاف المهداوي صنّفته منظّمة العفو الدولية بأنّه “اعتقال تعسفي”، وأن مكانه الطبيعي “أن يكون خارج الزنازين مع أطفاله الصغار وزوجته، ويمارس مهنته باستقلالية”.
واعتبرت المنظمة أن الاعتقال هو تتمّة لسلسلة تضييقات لصيقة وضغوطات كبرى من الأجهزة الأمنية كان يتعرّض لها بصفة متواترة، وحسب تصريح المدير التنفيذي للمنظّمة، محمد السكتاوي فإنّ “ما يؤديه المهداوي الآن من كلفة غالية من حياته وحريته هو نتيجة أن موقعه الإخباري “بديل” كان شجاعاً وجريئاً يتجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها، فكان هذا العقاب”.
مراسلون بلا حدود لم تتجاهل بيان وزارة الاتصال حيث أصدرت بيانا بعنوان: مراسلون بلا حدود ترد على وزارة الثقافة والاتصال المغربية بيّنت فيه أنّ العديد من المعطيات الواردة في بيان الوزارة لم تكن صحيحة ومنها “استمرار اعتقال ستة صحفيين/مواطنين دون محاكمة عقب تغطيتهم لأحداث ريف الحسيمة ، وهم محمد الأسريحي محرر موقع Rif24، جواد الصبري مصوّر موقع Rif24، عبد العلي حدو مقدّم التلفزيون الإلكتروني AraghiTV، حسين الإدريسي مصور ريف بريس، فؤاد السعيدي صفحة أوار تيفي على فيسبوك، ربيع الأبلق مراسل موقع badil.info.
كما انّه وحسب نفس البيان قامت السلط المغربية طرد ثلاثة صحفيين أجانب عقب تغطيتهم لاحتجاجات الريف ورحّل المغرب كلّ من خوسيه لويس نافازو (المحرر الإسباني للموقع الإخباري كوريو ديبلوماتيكو)، وفيرناندو سانز (الصحفي الإسباني المستقل) خلال ساعات من اعتقالهم في يوليو/جوان الماضي. اعتقال جمال عليليت، وهو مراسل زائر يعمل لحساب صحيفة الوطن الجزائرية، جراء تغطيته التظاهرات في منطقة الحسيمة في ماي/أيار الماضي، وقد تم ترحيله إلى الجزائر.
ورغم أنّ الدستور المغربي ينصّ على حرية الرأي والتعبير وعلى سمو التشريعات الدولية على المحلية، ورغم صدور قانون الصحافة الذي منع العقوبات السجنية في حق الصحافيين، إلاّ أن عدد محاكمات الصحفيين في ارتفاع وتمتد لسنوات، وإن انتهت في مدة قصيرة، فهي تنتهي بأحكام طويلة في حقّ عدد من الصحافيين على أساس القانون الجزائي.
وسوم: المغرب • حرية الصحافة • منظمة مراسلون بلا حدود