لم تتوقف ”صحافة المواطن“ فقط عند إنهاء احتكار الصحافة التقليدية للإخبار والسبق الصحفي، أصبح المواطن العادي ناقلا وباثا للحدث وصانعا له، من خلال آلات اتصالية تكنولوجية تتماشى جيدا مع مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. وقد أحدث هذا التغيير العميق في دينامية نقل الخبر أثرا عميقا في كيفية تلقي المستعمل للخبر وبالتالي في ردة فعله على محيطه، وربما يكون هذا مدخل لتفسير ظاهرة الربيع العربي.
قامت الباحثة المصرية بكلية الإعلام بجامعة سوهاج عزة عبد العزيز عبد الإله بدراسية ميدانية لمفهوم صحافة المواطن بعنوان ”مهنية الصحفي المواطن، دراسة تقويمية من منظور الصحفي المحترف في الصحافة العربية“. وقد اعتمدت الدراسة رصدا ميدانيا لكيفية عمل الصحفي المواطن ومتابعة تسلسل العمليات الإخبارية لتكوين الخبر الأخير ونشره في وسائل التواصل الاجتماعي أو في المدونة. وتعزو الباحثة هذا الاتجاه إلى النقص في الدراسات التطبيقية المهتمة بظاهرة الصحفي المواطن، في حين ركزت الأوراق العلمية السابقة سواء في العالم العربي أو في الغرب على مضامين صحافة المواطن أو جمهورها أو كيفية تكوين الصحفي المواطن.
تنتمي دراسة الباحثة عزة عبد العزيز عبد الإله إلى صنف الدراسات الوصفية، وقد استخدمت فيها منهج المسح على مستويين: الأول مسح عينة من الصحفي المواطن على المستوى العربي، والثاني مسح عينة من الصحفيين المحترفين الذين ينتمون إلى مؤسسات صحفية عربية، وذلك بهدف التمكن من تقييم صحافة المواطن. وعبر آلية الاستبيان الإلكترونية التي طبقتها الباحثة على كلا العينتين، توصلت عزة عبد العزيز إلى النتائج التالية في دراستها:
تحصل أغلب الناشطين في مجال صحافة المواطنة على دورات تدريبية عديدة في كيفية تغطية الأحداث الميدانية عبر كاميرا الهاتف الجوال سواء بتقنية الفيديو أو الصور، ثم كيفية القيام بتعليق يصف فيه المحتوى وكيفية النشر. وغالبية القائمين بعمل الصحفي المواطن في العالم العربي هم من الذكور ذوي التعليم الجامعي (خاصة الأدبي)، وأغلبهم متمكن في مجال الكتابة باللغة العربية. وأبرز الدورات التكوينية التي تلقاها الناشطون في مجال صحافة المواطنة هي فنون التصوير والمونتاج والإعلام الرقمي، الإعلام الأمني، الإعلام والتوجيه السياسي، إنشاء المواقع الإخبارية، كيفية صنع مقابلة مصورة إلخ…
وتعيد الدراسة الميدانية التي قامت بها الباحثة عزة عبد العزيز عبد الإله اللجوء إلى صحافة المواطنة إلى أن مسألة التضييق على الحريات العامة وخاصة حرية الصحافة والإعلام والتعبير في العديد من الدول العربية حيث تدفع بالمستخدمين إلى البحث في البدائل التي تتيح نشر المعلومة عوضا عن المسالك الإعلامية التقليدية من تلفزيون وصحف وراديو وغيرها، وذلك لتعرض تلك الوسائل إلى التعتيم والضغط والتحكم والصنصرة. ويؤكد جل المستجوبين في العينة أن المستقبل سيكون لصحافة المواطن ترجّح اختفاء الصحف لصالح المواقع التي تتغذى من أخبار المواطن الصحفي.
أما من جهة الصحفي التقليدي، فتشير الدراسة إلى أن رأي الصحفيين التقليديين في صحافة المواطنة هو رأي في أغلبه إيجابي، إذ اعتبر 78 في المائة من المستجوبين في هذه العينة أن ظاهرة صحافة المواطنة إيجابية ومفيدة. لكن وجب على المواطن الصحفي احترام مجموعة من القيم الضرورية والمبدئية في أي عمل إخباري، خاصة القيم المهنية للعمل الصحفي.
وقد ثمن الصحفيون المهنيون انتشار ظاهرة الصحفي المواطن نظرا لكونها مجالا براغماتيا لممارسة حرية التعبير والنشر بشكل يومي ومسترسل الأمر الذي لا يترك للسلطة أي فرصة في التراجع عن هامش الحرية المتاح للمواطنين، وبالتالي صحافة المواطن هي نوع من أنواع الحماية للصحفي المحترف.
لكن على صعيد آخر، جاءت سلبيات صحافة المواطن بالنسبة للصحفي المحترف لتتركز في مستوى المهنية، فقد عبر الصحفيون المحترفون عن عدم الدقة في مواد المواطنين الصحفيين أو أن الصورة غير مكتملة أو أن المواطن الصحفي في ذاته يكون ذو توجه أيديولوجي أو سياسي ويسعى من وراء نشره إلى الدعاية. لكن وفي كل الأحوال، هناك استفادة كبرى من تحرك المواطن الصحفي بحرية وعفوية خاصة في ما يتعلق بملفات الفساد وسوء الإدارة والاستخدام في المسائل العمومية اليومية.
وأوضحت الدراسة أن هناك فرقا أيضا في الضغوط المهنية التي تواجه كل من الصحفي المحترف والصحفي المواطن، فضغوط الصحفي المحترف تبلورت في ضغوط رؤساء العمل والمعلنين والسلطة السياسية والرقابة من داخل المؤسسة ومن خارجها. أما الضغوط التي يواجهها المواطن الصحفي فكان بعضها مهني والبعض الآخر رقابي من المؤسسات الأمنية. فعدم وجود قوانين أو مواثيق شرف تحمي المواطن الصحفي أدى بهذا النشاط للدخول تحت الضغط الأمني بشكل يومي.
بالنسبة للتوقعات المستقبلية، فقد اقتربت اتجاهات الصحفي المواطن مع الصحفي المحترف، حيث ركزت التوقعات على أنه سيتراجع اعتماد الجمهور على الصحافة المطبوعة وستعتمد وسائل الإعلام التقليدية على التكنولوجيات الحديثة للاتصال كما ستفرض تلك التكنولوجيات حالة من التحرر الحقيقي في مستوى التعبير والنشر ومن الصعب العودة إلى مربع المنع على الأقل بتلك الطريقة التي كانت عليها المنطقة قبل الربيع العربي.
وسوم: تفسير ظاهرة الربيع العربي • جامعة سوهاج • دراسة تقويمية من منظور الصحفي المحترف في الصحافة العربية • صحافة المواطن • صحافة المواطنة • عزة عبد العزيز عبد الإله • فيسبوك • كاميرا الهاتف الجوال • مهنية الصحفي المواطن • مواقع التواصل الاجتماعي