يعدّ شهر رمضان فرصة للقنوات العربية لبثّ أعمالها الدرامية الجديدة، لكن سنة 2018 قد تختلف عن سابقاتها بالنسبة للقنوات المصرية، فقد خصّص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لجنة منبثقة عن لجنة الدراما مهمّتها مراقبة جميع الأعمال الدرامية الفنية التي ستعرض خلال شهر رمضان.
تشكلت هذه اللجنة الرسمية لتطوير الأعمال الدرامية في ديسمبر /كانون الأول الماضي، وتضم كتّابا ونقادا وتسعى”لتحفيز صناعة الدراما وتشجيع الإنتاج الجيّد، ودعم صناع هذا الوسط باعتباره الأهم في ترسانة القوى الناعمة والمؤثرة لتجنب الفوضى”. عقب إحداثها أصدرت اللجنة في جانفي /يناير الماضي بيانا موجّه للمنتجين وكتاب المسلسلات، يتضمن “صياغة ورقة عمل بأولويات موضوعات المحتوى التي يحتاج إليها المجتمع في المرحلة الراهنة، لتكون دليلا للعاملين في الإنتاج الفني”.
حسب تصريح رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد، “فان مصر عاشت 8 سنوات من الفوضى لا حدود ولا قيم ولا التزام بأي شيء”، مطالبا مجلس النواب بقبول معايير الدراما التي أعدها المجلس، معلقًا: “العملية بلا ضابط محدش يحاسب حد، وكل واحد عايز بياخد حريته المطلقة ولا يوجد معايير ضبط المسلسلات”.
تشكيل هذه اللجنة وإصدارها لورقة تحدّد مواضع الأعمال الدرامية قابله عدة انتقادات في الأوساط الفنية المصرية باعتبار وجود “الهيئة العامة للرقابة على المصنفات الفنية” وهي هيئة رسمية تتبع وزارة الثقافة تختص بالرقابة على مراعاة ألا يتضمّن المصنف أو ينطوي على ما يمسّ قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية أو الآداب العامة أو النظام العام.
لكن الأعلى للإعلام برر وضع قائمة للمواضيع التي على المنتجين الفنيين أن يختاروا منها حسب تصريح عضو لجنة الدراما خيرية البشلاوي، يعود لان ” الدراما المصرية خرجت من مسارها الطبيعي وتحولت إلى سلاح فتاك من قبل قوى مجهولة تستهدف هدم المجتمع المصري، مبررة ذلك بحجم الأموال الرهيبة التي تضخ لتمويل أعمال درامية لا يعرف أحد مصدرها الحقيقي تهدف إلى التشكيك لما هو ثابت ومستقر فى ذهن المصريين، وطمس الهوية المصرية بتصدير نماذج السوقية والمبتذلين وإخفاء متعمد للطبقة المتوسطة في بلدنا التي تتعرض لحرب ضارية من كل الجبهات”
أنشأ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في 2016 ليكون “السلطة المختصة لحماية الرأي والفكر والتعبير وضمان استقلال الإعلام طبقا لنصوص الدستور والقانون، ومنح تراخيص العمل الإعلامي ووضع المعايير وتقييم الأداء”.
إلى جانب تحديد المواضيع وضعت اللجنة الرسمية لتطوير الأعمال الدرامية عدة معايير على المسلسلات التلفزيونية والإعلانات التي سيتم عرضها على القنوات التليفزيونية خلال شهر رمضان الالتزام بها ومنها.
*ضرورة الانتهاء من تصوير 50% على الأقل من العمل الدرامي قبل عرضه أو إذاعته، حتى يتسنى مراجعته وتدقيقه من قبل القائمين عليه.
*ضرورة احترام عقل المشاهد والحرص على القيم وأخلاقيات المجتمع، وتقديم أعمال تحتوي على المتعة والمعرفة، وتشيع البهجة وترقى بالذوق العام وتظهر مواطن الجمال في المجتمع.
*عدم اللجوء إلى الألفاظ البذيئة وفاحش القول، والحوارات المتدنية والسوقية التي تشوه الميراث الأخلاقي والقيمي والسلوكي بدعوى أن هذا هو الواقع.
*البعد عن إقحام الأعمال الدرامية بالشتائم والسباب والمشاهد الفجة. وتخرج عن سياسة البناء الدرامي وتسيء للواقع المصري والمصريين، خاصة وأن الدراما المصرية يشهدها العام العربي والعالم كله.
*عدم استخدام تعبيرات وألفاظ تحمل للمشاهد والمتلقي إيحاءات مسيئة تهبط بلغة الحوار، ولا تخدمه بأي شكل من الأشكال.
*التوقف عن تمجيد الجريمة واصطناع أبطال وهميين يجسدون أسوأ ما في الظواهر الاجتماعية السلبية التي تسهم الأعمال الدرامية في انتشارها.
*تجنب مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات التي تحمل إغراءات لصغار السن والمراهقين لتجربة التعاطي.
*التوقف عن تجاهل ودهس القانون عن طريق الإيحاء بإمكانية تحقيق العدالة والتصدي للظلم الاجتماعي باستخدام العنف العضلي والتأمر والأسلحة بمختلف أنواعها، وليس بالطرق القانونية.
*إفساح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بالدور المجيد والشجاع الذي يقوم به أفرد المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة في الدفاع عن الوطن.
*إفساح المجال للدراما التاريخية والدينية والسير الشعبية للأبطال الوطنيين وذلك بهدف تعميق مشاعر الانتماء وتنمية الوعي القومي.
كما قررت اللجنة الرسمية لتطوير الأعمال الدرامية التابعة للمجلس الأعلى للإعلام فرض غرامة مالية للمرة الأولى على كل “لفظ فاحش” في الدراما التلفزيونية و تقدر هذه الغرامة ب 250 ألف جنيه (14 ألف دولار تقريبا) لكن في المقابل لم يضع المجلس قائمة بهذه الألفاظ وهو ما يفتح الباب أمام التأويل الغامض لهذا الحظر. وحذّر المجلس الأعلى للإعلام أيضا القنوات الفضائية من عرض أعمال من دون إجازة جهاز الرقابة حيث دعا المجلس إلى منع عرض أي منتج درامي قبل الحصول على التصريحات الرقابية بكل مراحلها
الأعلى للإعلام أعلن أيضا عن إحداث مرصد جديد لرصد تجاوزات الدراما والبرامج خلال شهر رمضان الكريم. وحسب تصريح لأحمد سليم، الأمين العام للمجلس فإن المرصد سيكون على تواصل مستمر مع المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للمرأة، ودار الإفتاء، والأزهر الشريف؛ لمتابعة ما قد يحدث من تجاوزات. كما أكد الأمين العام على ضرورة الالتزام بقائمة العلماء المصرح لهم بالإفتاء خلال شهر رمضان في وسائل الإعلام.
الإجراءات التي اقرها الأعلى للإعلام قابلتها موجة من الاحتجاجات من طرف الفنانين والمنتجين أيضا حيث وصف النجم عادل إمام القواعد التي تحاول اللجنة فرضها على الأعمال الدرامية بأنها “كلام فارغ”. وقال إمام في مداخلة هاتفية مع المذيع وائل الإبراشي: “نحن لا نريد وصاية أحد علينا، الوصي هو الفن نفسه”، ووصل الحد باعتباره هذه اللجنة لجنة ” فاشية”.
كما صرح المؤلف السيناريست عمرو سمير عاطف في مكالمة هاتفية مع برنامج بتوقيت مصر على قناة التلفزيون العربي على فيسبوك يقول: “حسب ما فهمت في جهة اسمها لجنة الدراما … بيقولوا إنها تحدد المواضيع اللي المفروض تتطرح في المسلسلات وتوزعها على المنتجين والقنوات، يعني مثلًا يبقى في موضوع عن حب الوطن، وموضوع عن التعاون، وموضوع عن الإيثار، وموضوع عن الحروف الأبجدية، وكل مؤلف يختار موضوع منهم ويعملوا عنه مسلسل السنة دي”. واعتبر أن “الهدف الحقيقي من اللجنة دي هو خنق الدراما وإنهاء وجودها”.
أما بالنسبة لمدحت العدل، الكاتب والسيناريست، فإن قرارات لجنة الدراما المنبثقة عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بشأن تنظيم العمل الدرامي من خلال آليات معينة، غير ملزمة لأي كاتب أو مبدع.
وأضاف العدل، في تصريحات لموقع مصراوي أن القائمين على لجنة الدراما أشخاص على دارية كبيرة بفكرة الإبداع وحرية التعبير، موضحًا أن التوصيات التي تخرج عن اللجنة مجرد آراء فقط، وليست ملزمة.
بين داعم لأعمال لجنة الدراما باعتبار أنها الوسيلة الوحيدة لتقديم أعمال جيدة وبين من يعتبر أن الهدف من وضع هذه اللجنة هو سعي من النظام لفرض سيطرته حتى على الأعمال الفنية، يبقى الحكم على نجاح هذه الأعمال الدرامية من قبل المشاهدين.
وسوم: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام • دراما • رقابة • مصر • نسب المشاهدة