تعيش اليوم الصحافة العلمية أوج ازدهارها في ظلِّ أزمة كوفيد 19، إذ انخرطت جميع المؤسسات الإعلامية في تغطية كل الأخبار المتعلقة بهذه الأزمة، سواء من الناحية الطبية أو الاقتصادية أو السياسية أو غيره. وتهافت الإطار الطبُّي على المنابر الإعلاميَّة لمدِّنا بآخر المستجدات. ولكن ما لاحظناه أيضًا، هو الاعتماد على العرض البصري لتقديم جميع التفاصيل المتعلقة بهذا الفيروس. فقد وجد الصحفي العلميُّ في صحافة البيانات وسيلة لعرض بسيط للمعلومات، يمكن للقارئ أو المشاهد أن يستوعبها بسهولة.
لقد فرض واقع كوفيد 19 بشدّة من جهة وجود صحافة علمية متطورة، ومن جهة أخرى، اعتماد الصحفيين على صحافة البيانات لتوفير معلومات حول سرعة انتشار الفيروس وحدته، بالعالم أو بالمحافظات، مع تحديد الجنس والسنِّ وبعض التفاصيل الأخرى. فعلى سبيل المثال أظهرت الخرائط التفاعلية تطوُّر الإصابات من فترة زمنية إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر.
بينما أوضحت عروض بيانية أخرى انتشار الفيروس بالفضاء، مثلما تبينه هذه القصة المنشورة بموقعEl Pais :
ثمَّ إنَّ الصحافة العلمية تفرض على الصحفي أن يواكب التطورات العلمية ويستثمرها كمواضيع لمقالاته أو تقاريره التلفزية والإذاعية، وله الحق في نقدها إيجابًا أو سلبًا وفق ما يمتلكه من معلومات. ثمَّ إنَّ على الصحفي أن يكون قادرًا على الكتابة بأسلوب يجمع بين تزويد القارئ بالمعلومات وبين سهولة فهمها لدى أكبر شريحة من القراء في الوقت عينه. لهذا على الصحفي أن يجد الطريقة المثلى لسرد المعلومات في شكل قالب صحفيٍّ. فكانت صحافة البيانات خلال أزمة كوفيد 19 فرصة ليبِّسط بها الصحفي للجمهور أهمَّ التطورات التي شهدها مجال الصحة لمقاومة فيروس كوفيد 19.
ذلك أنَّه ليس من الضروري أن يكون الصحفي العلمي على اطلاعٍ واسع بالمجال الذي يكتب عنه بقدر ما هو مهمٌّ أن تكون لديه القدرة على تبسيط المعلومات التي يحصل عليها. أمَّا إذا كان يعمل حول ملَّف ما بصدد التطور في الأثناء، فيفترض أن يكون الصحفي العلمي متابعًا للتطورات المصاحبة لهذا الملف. ويمكن للصحفي أن يلجأ إلى خبير في المجال ليشرح له حيثيات الملف. وكما نعلم، فإن العلماء في العالم العربي غير منفتحين إعلاميًّا ويخشون عادةً من الحديث للإعلام، كما أن المحتوى العلمي العربي على الإنترنت ليس بدرجة ثراء المحتوى العلمي الغربي، ما يجعل من الصحافة العلمية فرصة لانفتاح الصحفيين على أبحاث العلماء والترويج لنتائجها لدى الرأي العام، كما هو الحال بأكثر من مناسبة. ثم كثيرًا ما يلجأ العلماء إلى العرض البياني لتقديم نتائج أبحاثهم، ما يسهل على الصحفي عمله.
إذن ممَّا لا شك فيه، أن صحافة البيانات اليوم تساهم في تطور الصحافة العلمية. ولا تختلف المراحل التي على الصحفي اتباعها عمَّا هو متعارف عليه، لكن يبقى على الصحفي العلمي أن يتأكد من مصداقية البيانات التي سوف يقدمها إلى الجمهور، لا سيما وأن الصحافة العلمية تتناول مواضيع حساسة تمسُّ الشأن، العام في صحته.
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن أول مجلة طبية عربية أصدرت هي مدرسة الطب بمصر سنة 1865، تحت عنوان “اليعسوب”، التي سعى كتابها إلى تبسيط المعلومات للقراء من عامة الشعب. ولكن التجربة استمرت لخمس سنوات فقط، إلى أن تم بعث سنة 1969 مجلة “طبيبك” التابعة لدار “الهلال” المصرية الحكومية. وقد تأسست بسوريا أيضًا مجلة تحمل نفس العنوان سنة 1956. وكان لتونس أيضًا مجلة طبية تحت عنوان Livret santé . ولكن هذه المجلات لم تستمر في النشر كغيرها من التجارب العربية في نسختها الورقية، ولكن البعض منها سجلت حضورها بالإنترنت. كما سعت بعض المؤسسات الإعلامية سواء الصحف الإلكترونية أو القنوات التلفزية والإذاعية، إلى المحافظة على ركن/ قسم الصحة. ويعدُّ قسم الصحة بجريدة الأهرام المصرية نموذجًا. كما ما زالت بعض الإصدارات العربية تصدر ولكن مع محدودية الانتشار مقارنة بأنماط الصحافة الأخرى، لا سيما السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية.
ملاحظة: نشر هذا المقال بمدرسة البيانات