مع تزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بشكل مستمر بين كافة الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية المختلفة وتحولها من مواقع للتواصل إلى مواقع تستخدم لنشر التطرف وفكر الإرهاب أصبح من الضروري التركيز على الدور الذي تلعبه هذه المواقع في تجنيد الشباب واستقطابهم من طرف التنظيمات الإرهابية.
في هذا الإطار نشر العدد الأول لسنة 2016 من مجلة الإذاعات العربية دراسة للباحث المغربي والأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط بنعيسى عسلون بعنوان “مواقع التواصل الاجتماعي: منصّات حيّة تُستغلّ لصناعة الإرهاب والموت”.
حسب الدراسة فإنّ “التنظيمات المتطرّفة والإرهابية أدركت نجاعة شبكات التواصل الاجتماعي واعتبرتها منصّات افتراضية مأمونة ومضمونه لتنفيذ مشروعها الإيديولوجي، حيث تفانت بشكل لافت في استغلال هذه المنصّات للترويج لأفكارها العدمية وكسب قدر من التعاطف معها”
وبين بنعيسى أنّ سهولة تمركز التنظيمات المتطرّفة في مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها الفيسبوك وتويتر واليوتوب فتحت المجال أمام هذه التنظيمات للوصول لأكبر عدد ممكن من المتقبلين وبالتالي استقطاب اكبر عدد من الشباب و”تجنيدهم وتحريضهم” للعمل كعناصر إرهابية في هذه التنظيمات.
توصلت الدراسة إلى أن ما يعرف باسم تنظيم داعش الإرهابي يعدّ من أكثر التنظيمات استخداما لشبكات التواصل الاجتماعي مقارنة بالتنظيمات الإرهابية التي سبقته مثل “القاعدة” و “بوكو حرام”، وحسب نفس المصدر فإنّ مميزات الفايسبوك وتويتر واليوتوب تكمن في سهولة الوصول إليها من طرف الجميع وفي تكلفتها المنخفضة رفعّ من نسبة الإقبال على هذه المواقع بالمقارنة مع وسائل التسويق والإعلام التقليدية.
كما أن أهم ميزة لهذه المواقع أنها غير خاضعة لرقابة صارمة فهي لا تقوم بإلغاء حساب إلا بعد تلقي عدد كبير من الإنذارات من المستخدمين وهذا الإجراء يسمح باستمرارية هذه الحسابات لأنّ المتابعين لها هم من المهتمين بها وبالتالي لن يقوموا بالتبليغ عن محتواها الإرهابي التحريضي، إضافة إلى سهولة التمويه والتحايل التي تنتهجها التنظيمات الإرهابية في إنشاء حسابات جديدة في حال تمّ الإبلاغ عن الحسابات القديمة وإغلاقها.
هناك ميزة أخرى متمثلة في سهولة الترويج والدعاية للأعمال الإرهابية التي ترتكبها هذه التنظيمات من خلال تخفيض وقت انتشار المعلومة وبالتالي تتمكن هذه التنظيمات من نشر محتويات تروّج للتطرّف في وقت وجيز وتستهدف أكبر عدد ممكن من الأشخاص لتوسيع نفوذ هذا التنظيم في مناطق عدّة من خلال ما يعرف ب”جلب الدعم وإعلان الولاء أو ما يطلق عليه بالبيعة الافتراضية”.
وتوصلت الدراسة إلى أنّ هذه التنظيمات تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي ليس فقط للاستقطاب بل ” لاستعراض نفوذها وشراستها بغرض الحشد والتعبئة أو التخويف من مواجهتها” أو حتى لتوجيه رسائل تهديد و وعيد لمن تعتبره عدوا لها معتمدين في ذلك على تقنيين وفنيين مختصين في الدعاية والترويج الالكتروني.
ومن بين المراجع التي تم اعتمادها في هذا البحث، دراسة أخرى قام بها مركز سياسة الشرق الأوسط والتي بينت أنّ تنظيم داعش الإرهابي استطاع الترويج لأفكاره الإرهابية من خلال 46000 حساب تويتر تستخدم لبث تغريدات مكثفة واستهداف عناصر جديدة.
ويكمن إقبال داعش على تويتر نظرا لأنّه يسمح بنقل الأخبار بصورة سريعة عند وقوع الحدث فيكفي فقط كتابة الكلمة المفتاح للحصول على صور والأخبار المتعلّقة بهذا الحدث و التي عادة ما يكون مصدرها أحد أعضاء هذه الشبكات الإرهابية وهو ما يضمن أيضا سهولة التواصل مع المنخرطين.
ولم يقف اهتمام داعش بمواقع التواصل الاجتماعية عند حدود الترويج من خلال المواقع المعروفة بل أطلق التنظيم في سنة 2015 تطبيقا مجانيا خاص بالهواتف الذكية يقوم بنشر أخبار التنظيم عبر توتير تحت اسم “فجر البشائر”. ويعتمد التطبيق على نشر تغريدات بصفة تلقائية على حساب المشتركين في الخدمة وتتمثل هذه التغريدات في صور وفيديوهات تمجّد أعمال التنظيم، وبلغ عدد التغريدات التي يبثها هذه التطبيق 40 ألف تغريدة في اليوم.
وحسب استعمالات التنظيمات الإرهابية لمواقع التواصل الاجتماعي والتي تختلف فيما بينها، إذ يوظّف موقع تويتر في دور نقل الأخبار باعتبار أنّ الموقع لا يسمح بنشر تغريدة يتجاوز عدد حروفها 140 حرفا، لكن ميزة هذا الموقع تكمن في الهاش تاق، فيكفي أن يضاف “الهاش تاق #” في الرسالة ليصل إلى متابعي هذا الموضوع مع إمكانية التحديث السريع للأخبار والأحداث ونشرها أما فيسبوك فحسب الدراسة “يعتبر وسيلة لتبادل المعلومات المتعلقة بكلّ ما هو عملي وتكتيكي، كطرق صنع القنابل، أو كيفية استعمال الأسلحة وتقنيات الرماية، ووسيلة إعلامية فعالة للدعاية ونشر الإيديولوجيات المتطرّفة”.
ودائما حسب نفس المصدر فإنّ الجمهور المتابع للتنظيمات الإرهابية على مواقع التواصل الاجتماعي ينقسم إلى شقيّن كبيرين من خلال الصفحات الإلكترونية التي تنقسم بدورها إلى نوعين من صفحات المتطرّفين وهي الصفحات الرسمية وغير الرسمية حيث تكون الأولى خاضعة لإدارة مجموعة ما.
أما الثانية فتدعم من قبل المؤيدين والمتعاطفين وتتمثّل وظيفتها الأساسية في الدعاية من خلال أشخاص وقع استقطابهم بصفة غير مباشرة.
ولتحقيق هدف الاستقطاب والتجنيد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي يتمّ اعتماد منهجية محكمة تتأسّس على ثلاث خطوات مترابطة.
مرحلة أولى تركّز على إثارة العواطف، أي مرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة بواسطة وصفة الغيرة على الدين وحجة الدفاع عن القيم المقدّسة، مع الاستعانة بنصوص دينية يروّج لها في شبكات التواصل الاجتماعي ومن خلال صور لإحداث مؤلمة تعرض لها بعض المسلمين مثل تفجيرات مرفقة برسائل حول ضرورة نصرة المسلمين و المضطهدين .
وتتمثلّ المرحلة الثانية في الترويج للأفكار الجهادية، وتتعلق بدور الشبكات في نقل وترويج المعلومات والبلاغات الداعمة لوجهة نظر الجماعات المتطرّفة و الدعوة إلى الالتحاق بمناطق “أرض الخلافة”.
ومرحلة ثالثة “وهي خطوة تتكفّل بالانتقال من مرحلة دغدغة المشاعر والتأثير الفكري والإيديولوجي، إلى المشاركة الفعلية بالقوة والعنف، من خلال “دعوة المستقطبين إلى تنفيذ عمليات إرهابية في محيطهم تستهدف من يعتبرهم التنظيم الإرهابي بالكفرة”.
تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها جاءت بعد التعديلات التي تسعى مواقع التواصل الاجتماعي إلى وضعها للحد من استغلالها من طرف التنظيمات الإرهابية للترويج لأعمالها من خلال حذف كل المحتويات التي تحرّض على العنف والإرهاب في أجال قصيرة.
كما تسعى عديد الدول اليوم إلى وضع نظام أكثر فاعلية لتوعية مواطنيها بشأن تلك التنظيمات الإرهابية وإيقاف الحسابات التابعة لها أو الممجدّة للعنف والإرهاب يضاف لذلك تشديد الرقابة على تحركات الأموال عبر الانترنت.
حقوق الصورة @isarta
وسوم: ارهاب • استخدامات • تنظيم ارهابي • داعش • مواقع التواصل الاجتماعي