بعد أيام من انطلاق السباق الرمضاني للدراما العربية شرعت الهياكل الرسمية في عملها الرقابي على جودة هذه الأعمال ومدى احترامها للضوابط المنصوص عليها في كل بلد، لكن بعض هذه الأعمال خرجت من جانبها الفني والدرامي ووقع توظيفها توظيفا سياسيا وصل إلى حدود خلق أزمات سياسية بين الدول أو إلى رفع قضايا استعجاليه ضد بعضها .
من بين هذه الأعمال الدرامية نجد مسلسل “أبو عمر المصري”، الذي يعرض حاليا على شاشات الفضائيات المصرية والذي يظهر بعض المصريين المقيمين في السودان متورطون في “الإرهاب ” وهو ما اعتبرته السودان تشويه لصورتها من خلال تقديم إشارات تفيد أن أجزاء السودان كانت مسرحًا للعمليات الإرهابية.
على خلفية هذا العمل استدعت وزارة الخارجية السودانية، السفير المصري على اراضيها وسلمته مذكرة احتجاج رسمية، مطالبة باتخاذ قرار مناسب يضع حدًا أمام محاولات البعض العبث بمصالح والعلاقات بين البلدين.
وحسب نص مذكرة الاحتجاج فإنه “منذ مطلع شهر رمضان، بدأت بعض القنوات الفضائية المصرية عرض مسلسل بعنوان (أبو عمر المصري)، بعد أن تم الترويج له بصورة عكست إصرار البعض على اختلاق صورة ذهنية تلصق تهمة الإرهاب ببعض المواطنين المصريين المقيمين أو الزائرين في السودان” وأن “القائمين على المسلسل سعوا لإيهام المتابعين بأن بعض أجزاء السودان كانت مسرحا لبعض أحداث المسلسل، واستخدمت العديد من الوسائل لهذا الغرض، كلوحات السيارات، التي تعد رمزا سياديا لا يجوز التعامل به إلا بعد الحصول على موافقة من السلطات السودانية المختصة”.
وفي تصريح للمتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية، فإن هذا العمل المسيء للشعبين أساء بوجه خاص للوجود المسالم للمواطنين المصريين بالسودان، حيث انه “يلصق تهمة الإرهاب ببعض المواطنين المصريين المقيمين أو الزائرين للسودان”، مضيفا انه “لم يثبت تورط أي مواطن مصري مقيم بالسودان في أي حوادث إرهابية”.
ليصرح مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام المصري في مؤتمر صحفي: أنّ “المجلس حريص كل الحرص على تعزيز العلاقات بين مصر والسودان”، وتابع “ما أثير بشأن ما جاء في مسلسل أبو عمر المصري من افتئات على السودان تم النظر فيه وتفنيده، وحذف ما قد يسيء لدولة السودان”.
وأضاف: “مع العلم أن أحداث المسلسل واضحة ولم تتضمن أي إهانة أو اتهام للسودان الشقيق”.
رد فعل السودان جاء في وقت تشهد فيه العلاقات بين الخرطوم والقاهرة توترا في الأشهر الأخيرة بعد اتهام الرئيس السوداني عمر البشير القاهرة بدعم معارضين سودانيين، لترد بعض وسائل الإعلام المصرية وتتهم الخرطوم بأنها تستقبل عناصر في جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها مع العلم أن مصر تصّنف جماعة الإخوان بالجماعات الإرهابية.
في تونس يعتبر الأمر مختلفا قليلا فالتوظيف السياسي للأعمال الدرامية كان داخليا مع الكاميرا الخفيّة “شالوم” التي خلقت جدلا كبيرا وصل حدود اللجوء للقضاء، وتدور أحداث هذه الكاميرا الخفية حول استدعاء ضيف من الشخصيات المعروفة في المجال السياسي أو الرياضي أو غيره وإيهامه بأنه سيجري حوارا مع قناة أجنبية، ليتبين فيما بعد أنه لقاء مع “إسرائيليين” والهدف منه حث الضيف على التعاون وتطبيع العلاقة معهم.
منذ الإعلان الترويجي للعمل وقع اختلاف في تصنيفه حيث قدمت من طرف معدي هذا البرنامج على أنها عمل استقصائيي يسعى لكشف حقيقة بعض السياسيين ورجال الأعمال والرياضيين وغيرهم من النخب من حيث ولائهم للوطن والتزامهم المبدئي بالمصلحة العليا للبلاد لكنه تبين انه ليس عمل استقصائي نظرا لغياب مقومات الصحافة الاستقصائية، كما أنها أيضا لا تدخل في خانة الكاميرا الخفية والتي تعتمد على إضحاك المشاهد وتكون مواضيعها مضحكة وهزلية ولا علاقة لها بالقضايا السياسية والاجتماعية وفضح توجهات ومبادئ الضيوف.
ومن النقاط الأخرى التي خلقت الجدل في هذا العمل حضور شخص مسلّح مكلف بالحماية مما قد يدفع بالضيوف إلى التصريح بما يخالف قناعاتهم خشية على سلامتهم الجسدية كما أن معدي البرنامج لم يحصلوا على كل الموافقات الكتابية من الضيوف لبث الحلقات.
مع تزايد الجدل حول هذه السلسلة تحركت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وأصدرت قرارا يقضي بسحب تسجيل حلقة من حلقات هذه السلسلة والتي ظهر فيها احد السياسيين وتم بثها يوم الاثنين 21 ماي 2018، من الموقع الإلكتروني الرسمي للقناة ومن جميع صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لها وعدم إعادة بثها أو استغلال جزء منها.
وجاء قرار الهايكا حسب البلاغ الصادر لِما تضمنته الحلقة من انتهاكا لكرامة الإنسان ودفع الضيف للإدلاء بمواقف وتصريحات بخصوص مسألة التطبيع مع “الكيان الإسرائيلي” في اتجاه معيّن بحضور شخص مسلح.
كما قررت هيئة الاتصال السمعي البصري، تعديل جينيريك الكاميرا الخفية بحيث يقع حذف علم “الكيان الإسرائيلي” منه لما في ذلك من استفزاز للمشاعر العامة، في ظرف ينفذ فيه هذا الكيان أبشع الجرائم تجاه الشعب الفلسطيني.
من جهتها أصدرت نقابة الصحفيين التونسيين بيانا دعت فيه المشاهدين إلى مقاطعة هذا البرنامج فهو “لا يمت هذا العمل بصلة للمنتوج الصحفي ولا الاستقصائي ولا يستجيب لمعايير البرامج الترفيهية المعروفة بالكاميرا الخفية ويتضمن انتهاكا صارخا لأخلاقيات المهنة عبر خلق وضعية وهمية واستغلالها لإجبار الضيوف على الإدلاء بتصريحات في اتجاه معين، مع التذكير بأن أبسط قواعد الإعلام تفرض موافقة المعنيين بالأمر قبل بث الحلقات عبر عقد بين الطرفين”.
كما اعتبرت النقابة أن البرنامج اعتمد على “استعمال القوة والترهيب في التعامل مع الضيوف وإجبارهم على مواصلة المشاركة في اللقاء وانتزاع تصريحات لا يمت للعمل التلفزي والإعلامي بأي شكل من الأشكال”.
المجتمع المدني هو الآخر تحرك ضدّ هذا العمل فالهيئة الوطنية لـــدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية تقدمت بقضية استعجالية ضد كل من قناة “تونسنا”، ومعدّ الكاميرا الخفية شالوم وليد الزريبي، بتهمة التطبيع مع الكيان الصهيوني والعمالة للأجنبي.
بث برنامج الكاميرا الخفية “شالوم” على قناة تونسنا توقف بعد تأييد محكمة الاستئناف بتونس برفض طلب الإيقاف الوقتي لتنفيذ الحكم الاستعجالي القاضي بإيقاف بث برنامج الكاميرا الخفية وذلك في إطار قضية رفعها حزب التيار الشعبي قدم للمحكمة الاستعجالية الابتدائية بتونس من اجل إيقاف الكاميرا الخفية “شالوم ” وتم إصدار حكم بإيقاف بثها ابتدائيا. لكن رغم هذا القرار فان البرنامج توقف بثه فقط على قناة تونسنا وانتقل إلى قناة “قرطاج +”
وللتذكير فان تونس تنتظر أن يُعرَض قانون تجريم التّطبيع مع إسرائيل على برلمان في الأيام القادمة بعد تأجيله أكثر من مرة وهو ما يفتح باب التأويل حول التوظيف السياسي للبرامج “الترفيهية” فهل يعدّ “شالوم ” عملا ترفيهيا أم عملا كان الهدف منه إطلاق الجدل مجدّدا في قضيّة “التّطبيع” قبل المصادقة على القانون ؟
وسوم: أخلاقيات المهنة • إعلام • الإعلام التونسي • الإنتاج الصحفي • الصحافة • المرصد العربي للصحافة • تونس • حرية الصحافة • مصر • وسائل الإعلام