منذ 2016 صوتت الجزائر على دستورها الجديد بعد ان تم إدخال العديد من المبادئ الدستورية و / أو تعديلها، كما أصدرت عددا من القوانين المتعلقة بحريات التعبير والتجمع والتظاهر من قبل البرلمان. لكن تضمّنت هذه النصوص القانونية العديد من الأحكام التي تمنح السلطة التنفيذية صلاحيات تقديرية كبيرة تمكّنها من الحدّ من التعبير ومن تجريمه، حسب ما كشف التقرير الذي أعدته “المنظمة الدولية لدعم الإعلام” و”جمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية ” تحت عنوان “حرية التعبير في الدول المغاربية: تنافر بين النصوص القانونية والممارسة القضائية”.
ويذكّر هذا التقرير أنّ الجزائر قد سنّت سنة 2011 عددا من القوانين المتعلقة بالإعلام وحرية التعبير والصحافة، لكن هذه القوانين تم تمريرها دون أي مشاورات أو نقاشات عامة وهو ما يعتبر قانونيا فشل إجرائي انتقده رئيس المجلس الاستشاري الوطني للجنة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في بيان صدر في 5 ديسمبر / كانون الأول2011.
من القوانين المنظمة لقطاع الإعلام في الجزائر القانون العضوي المتعلق بالإعلام المؤرخ في 12 جانفي / يناير 2012 والذي يعدّ النص المركزي المنظّم لحرية التعبير ووسائط الإعلام. ينصّ هذا القانون، الذي يحلّ محل قانون وسائط الإعلام لعام 1990 على عدم تجريم الانتهاكات الصحفية جزائيا واستبدال العقوبة السجنية بغرامة مالية، إلى جانب تحرير قطاع السمعي البصري، الذي ظل لسنوات عديدة حكرا على الدولة.
رغم “الثورة الدستورية” على مستوى سنّ القوانين فانه على مستوى التطبيق لم يتبعها حتى الآن أي تنفيذ للمراسيم، فتحليل النص الجديد يكشف انّ الحدّ من حرية التعبير والإعلام بلغ حدود انتهاك الاتفاقيات الدولية التي وقعتها الجزائر لتصبح في المرتبة 134 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة حسب تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” لسنة 2017 أي بتراجع 5 مراتب عن تقرير سنة 2016.
حسب الدراسة فانّ هذا التراجع في حرية الإعلام يعود إلى اعتماد مصطلحات قانونية فضفاضة وغامضة وغير دقيقة توسّع صلاحيات السلطة التنفيذية وتفرض قيودا إضافية على الصحافة منها تغيير نظام التصريح المعتمد في بعث وسيلة إعلامية بنظام الترخيص.
كما انّ حق الحصول على المعلومات لم يعد متاحا لجميع المواطنين، فحق النفاذ إلى المعلومات الذي كان مدرجا في النص القانوني السابق استبدل بنص قانوني يعرّف المعلومات على أنها نشاط، وهو ما يتعارض مع التعريف المنصوص عليه في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي وقعت عليه الجزائر في 12 سبتمبر /أيلول1989، والتغيير في التعريف هو مؤشر على إرادة المشرّع للحدّ من حرية التعبير والإعلام.
وحسب النص يعرّف المشرّع الإعلام على انه نشاط ينبغي ممارسته بحرية لكن مع وجوب احترام 12 مبدأ مذكورة بعبارات عامة جدا وغير دقيقة، منها “الهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع”، و”متطلبات الأمن والدفاع”، و”مهام والتزامات الخدمة العامة الوطنية” و “المصالح الاقتصادية للبلد”.
وفيما يتعلق بوسائل الإعلام المكتوبة والمطبوعة، فإن النص الجديد عوّض رسميا نظام الإعلام المعتمد سابقا بنظام الموافقة، وبالتالي، فإن أي منشور دوري جديد يجب أن يخضع لإجراءات التسجيل ومراقبة صحة المعلومات، وإيداع تصريح مسبق موقع من طرف المدير مسؤول النشرية، لدى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة (بدلا من المدعي العام في القانون السابق)، وتمنح سلطة الضبط الاعتماد في أجل ستين (60) يوما (بدلا من 30 يوما في القانون السابق) ابتداء من تاريخ إيداع التصريح، وفي حالة رفض منح الاعتماد يبلّغ صاحب الطلب بالقرار مبررا، قبل انتهاء الآجال المحددة ، ويكون هذا القرار قابلا للطعن أمام الجهة القضائية المختصة.
كما تمّ وضع سلسلة من الشروط والإجراءات قبل عملية الموافقة والتي تمثّل عبئا على المنشورات الجديدة. ومنها أن يتمتع صاحب المنشور بخبرة لا تقل عن عشر سنوات في ميدان الإعلام بالنسبة للنشريات الدورية للإعلام العام، وخمس سنوات خبرة في ميدان التخصص العلمي أو التقني أو التكنولوجي بالنسبة للنشريات الدورية المتخصصة، وهذا ما يحرم الشباب من إصدار نشريات.
كما منح هذا القانون صلاحيات واسعة النطاق لسلطة الضبط والتي قد “تعوق بشكل تعسفي حرية التعبير والرأي” باعتبار انها “ترصد نوعية الرسائل الإعلامية وتعزز جميع جوانب الثقافة الوطنية” و تقدم”الموافقات على القضايا”.
أما فيما يتعلق بمجال السمعي البصري فقد أحدثت سلطة التنظيم السمعي البصري بصلاحيات “ولاية واسعة من حيث الإذن والرقابة والعقوبة” و التي “من المرجّح أن تفرض قيودا تعسفية على حرية التعبير والمعتقد”.
الإصلاح الدستوري الذي أدخل تعديلات على ثلثي الدستور السابق، وأضاف مواد جديدة، خصّص ثلاثة منها لحرية التعبير والإعلام، لكنها لم تبين على شكل دقيق مما فتح تأويلات وتفسيرات خطيرة فيما يتعلق بحرية التعبير. على غرار التأكيد على ضرورة “احترام سمات الدولة و الرموز “، و” الامتناع عن تقويض التاريخ الوطني “، و” الامتناع عن نشر غير أخلاقي لصور أو بيانات، تضر بحساسية المواطنين “.
رغم أن المادة 50 تنصّ على أنّ “حرية الإعلام السمعي والبصري والإعلام عبر الإنترنت مكفول ولا يجوز تقييده بأي شكل من أشكال الرقابة المسبقة”، ولا يمكن أن يعاقب على جرائم الصحافة بعقوبة السجن “.ورغم دسترة هذه المبادئ جزئيا فان تنفيذ كلا المبدأين وترجمتهما إلى نصوص تشريعية وتنفيذية وقع الحدّ منها في إطار الدستور نفسه.
وتحذّر الفقرتان 2 و 3 من المادة 50 بوضوح من أن حرية الصحافة “لا يمكن أن تستخدم لتقويض كرامة وحرية وحقوق الآخرين، وأن
حرية نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء مضمونة في إطار القانون واحترام القيم الدينية والأخلاقية والثقافية ومبادئ الأمة “. واعتماد عبارات غامضة وتحتمل تفسيرات متعددة ومفاهيم واسعة تمنح صلاحيات أكبر للسلطات التنفيذية والقضائية للحد من حرية التعبير والصحافة.
وحسب الدستور الجديد تعدّ جرائم الصحافة جميع الانتهاكات التي ترتكب من خلال وسائل الإعلام المكتوبة، ووسائل الإعلام السمعية والبصرية، أو عن طريق شبكات التواصل. وطبقا لهذا التعريف فإنه إذا وقع تجاوز للمبادئ المحددة في وسيلة إعلامية، تصبح العملية جريمة صحفية. وبالتالي تصبح العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون لا تنطبق فقط على المهنيين في وسائط الإعلام، بل تنطبق أيضا على كل من يستخدم منصة إعلامية لانتهاك القانون.
ورغم إقرار القانون بمخالفات الصحافة إلى انه لا يوجد تعريف لها في القانون الجزائري (بالرغم من ورودها في الدستور). ونتيجة لهذا الفراغ القانوني، ليس للصحفيين وضع إجرامي محدد يخضعون له حال محاكمتهم بل يخضعون للقانون الجنائي.
وبالإضافة إلى التشهير والإهانة، أدخلت جريمة انتهاك حرمة المحكمة، مع مسؤولية جنائية جديدة تشمل المؤلف ومنصة النشر. وهناك ثلاثة أحكام جديدة تحكم الجرائم الإعلامية: الازدراء والعنف ضد موظف حكومي والتشهير والتدخّل في الحياة الخاصة والكشف عنها. وتتراوح أحكام السجن المتعلقة بهذه الجرائم بين شهرين وخمس سنوات، وتتراوح الغرامات بين مائة ألف دينار (100.000دج) إلى خمسمائة ألف دينار (500.000دج).
ومن الناحية العملية، نادرا ما تلجأ المحاكم إلى القانون المتعلق بوسائل الإعلام أو الأحكام الدستورية، وتفضل اللجوء إلى القانون الجنائي.
ومنذ اليوم الذي اعتمد فيه الدستور الجديد، لم يعدل أي نص قانوني أو لائحة قانونية لضمان الامتثال للأحكام الدستورية الجديدة. وقد أدى ذلك إلى فراغ قانوني خاصة عندما يتعلق الأمر بتعريف الجرائم الصحفية وعدم تطبيق أحكام القانون الجنائي على المحتوى الصحفي أيا كانت وسائل الإعلام.
كما لم يتم إصدار قانون الحصول على المعلومات، باعتباره حقا معترفا به في الدستور، وهذا يعوق وصول الصحفيين إلى مصادر المعلومات والبيانات. إلى جانب غياب مقياس واضح لتوزيع إعلانات القطاع العام بين وسائل الإعلام. فعدم الوضوح من شأنه أن يغدق الإشهار العمومي على الصحف الموالية للحكومة ويحرم من الأصوات المعارضة.
وسوم: حرية الصحافة