انتظم يوم 26 أوت بتونس حفل توقيع الإعلان العربي لمبادئ حرية الإعلام بمبادرة من الاتحاد الدولي للصحافيين وبالتعاون مع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد وقّع على هذا الإعلان باسم الدولة التونسية لتصبح بذلك تونس ثاني بلد عربي يتبنّى هذا الإعلان بعد دولة فلسطين.
وجاء هذا الإعلان بعد أشهر قليلة من إطلاق الاتحاد الدولي للصحافيين لمبادرة تهدف إلى إحداث آلية خاصة بدعم حرية الإعلام في الوطن العربي. لكن هذه الآلية لم تر النور ليتم الاقتصار على مجرّد إعلان. فهل يكون كافيا لتوفير إطار دولي يحمي حرية الصحافة والصحافيين؟ الغريب في الأمر أن هذا الإعلان جاء بعد مجموعة من المشاورات التي انطلقت يوم 15 جانفي 2016 بدعوة من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ومن المشرفة على برنامج “مادميديا” (MedMedia) لحضور لقاء تشاوري بالأساس بهدف تطوير آلية تحمي حرية الإعلام. وشارك في تنظيم هذا اللقاء الذي اعتُبر جزءا من المبادرة الجهوية التي أطلقها الاتحاد الدولي للصحفيين ، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.
وقد كان من المنتظر أن تقود هذه المشاورات إلى تطوير آلية اعتبرتها مكوّنات فاعلة من المجتمع المدني مسّا فاضحا من حرية الإعلام وحياده. آلية علّل المجتمع المدني الدولي رفضها بعدّة أسباب أهمها ارتباط اختيار أعضائها بالمؤسسات الحكومية وعدم توفّر الشروط الموضوعية للمساهمة في حماية الإعلام العربي. ورغم الموجة الكبيرة من الانتقادات التي واجهها مشروع هذه الآلية، قام الاتحاد الدولي للصحافيين بإصدار الإعلان ليصفه في بيانه، يوم 01 سبتمبر 2016، ب ” الخطوة الأولى نحو تأسيس آلية إقليمية خاصة بحرّية الإعلام في الوطن العربي تعمل على صيانة المبادئ التي يتضمنها الإعلان.”
قائمة الموقّعين على الإعلان خلال الحفل الذي انتظم بتونس، شملت منظّمات دولية ووطنية هامّة على غرار المفوّضية السامية لحقوق الإنسان واليونسكو والاتحاد الدولي للصحفيين والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل وعناصر فاعلة في المجتمع المدني التونسي.
فبعد أشهر من إطلاق المشاورات لوضع الآلية وبعد الحملة المضادّة المكثّفة التي أطلقتها عديد المنظّمات العربية والدولية المعنية بحماية الصحافيين، لم يبيّن الاتحاد الدولي موقفه من مواصلة المشاورات حول الآلية المنشودة أو إلغائها.
وبالرجوع إلى البيان الصادر عن الاتحاد، يتبيّن أنه “خطوة نحو استكمال الآلية” وهو ما يؤكّد أن القائمين على مبادرة إحداث آلية عربية لحماية الصحافيين لا يزالون مصرّين عليها رغم حملة الاعتراضات التي واجهتها.
ومعلوم أن الإعلان لم يتضمّن أي إشارة لكيفية تفعيله ولم يتطرّق بشكل ملموس إلى ما سيقدّمه من إضافة للصحافة والإعلام في العالم العربي، عدى تكرار المبادئ العامة لحرية الصحافة والإعلام و لحماية الصحافيين.
وبخصوص مضمون هذا الإعلان ، فقد أورد 16 مبدآ من بينهم “حقّ حرية التعبير و حق الحصول على المعلومات والحق في سلامة الإعلاميين والحق في التعليم والتدريب للعاملين الإعلاميين والحق في حماية المصادر”. وهي حقوق نصّت عليها المواثيق الدولية والإقليمية التي تم الاستناد إليها في صياغة مقترح الإعلان ومجموعة من المبادئ دون ذكر كيفية تطبيقها على أرض الواقع ودون التطرّق إلى البنية التحتية التي قد تسهّلها أو تعرقلها.
وقد أكّدت العناصر الرافضة للآلية على أهمية مبدأ الاستقلال والحياد الذي غاب عن المقترح الأوّل الذي نصّ على ” إمكانية احتضان هذه الآلية من قبل جامعة الدول العربية، ٲو بعض الهيئات التابعة لها” واعتبارها أن هذه الهيئات ‘رهينة ٳرادة وإملاءات أنظمة سياسية هي الأسوأ عالمياً في مجال احترام حرية التعبير والإعلام، بحسب جميع المؤشرات المحلية والإقليمية والدولية”.
إلاّ أن الرافضين لم يعترضوا على توقيع وثيقة الإعلان من طرف كلّ من رئيس دولة فلسطين، محمود عبّاس، ورئيس الدولة التونسية، الباجي قايد السبسي. ويبدو أن الإعلان نجح في توفير أرضية مشتركة بين السلطة الحاكمة المصنّفة ضمن أعداء حريّة الصحافة والإعلام والمنظّمات المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات الإعلامية.
وإذا كانت الدولة في البلدان الديمقراطية تضمن الحقوق والحريات فإنها تعتبر في جلّ البلدان العربية عدوّة لممارسة حقوق الإنسان وحريّة الصحافة بصفة خاصّة حسب الترتيب الدوري لمنظّمة مراسلون بلا حدود. فحرية الإعلام في تونس مكسب جديد من مكاسب الثورة ولكنّها تضلّ في جلّ الدول العربية حلما يتشتت أمام تسلّط الحكومات. فكيف لهذا الإعلان الذي لا يكتسي صبغة قانونية أن يحمي حرية الإعلام والصحافة في البلدان العربية بمجرّد أنه يحمل توقيع رئيس الدولة ؟
حقوق الصورة، موقع النقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين
وسوم: إعلام • الإعلان العربي لمبادئ حرية الإعلام • تونس • حربات • حقوق • حماية الصحفيين • ديمقراطية • منظمات عربية