قام الصحفي خالد الحداد، الذي تحصل مؤخرا على شهادة الدكتوراه، بتناول الجانب العميق في تاريخ الصحافة والإعلام في تونس، وذلك من مدخل البحث الأكاديمي، ضمن كتابه “الإعلام التونسي في عيون معاصريه 1956 ـ 2011“. وهذه الفترة التي تفرض، منهجيا، نوعا من التعمق في مرحلة التأسيس للصحافة التونسية بعد الاستقلال، ثم في المحطات الكبرى التي مر بها القطاع في زمان الرئيس بورقيبة من الخمسينات إلى أواخر الثمانينات ، ثم من أواخر الثمانينات إلى عتبات الثورة سنة 2011. وقد تناول خالد الحداد الإعلام في فترتي بورقيبة وبن علي من داخل منظومة الحكم وليس من خارجه وهو ما يمثل الطرافة والتجديد في بحثه، في سياق وجهة نظر أخرى يجب أن تكون حاضرة في كتابة تاريخ الصحافة والإعلام في تونس.
يتكون كتاب “الإعلام التونسي في عيون معاصريه 1956 ـ 2011″، لخالد الحداد، وهو بحث قدمه لنيل رسالة الدكتوراه من معهد الصحافة وعلوم الإخبار، من بابين اثنين وستة فصول. الباب الأول تناول فيه شهادات الوزراء وكتاب الدولة والمسؤولين الرسميين، ويتضمن هذا الباب ثلاثة فصول: الفصل الأول فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بين 1956 و1987. الفصل الثاني فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بين 1987 و2011، أما الفصل الثالث فتناول مسألة الإعلام انطلاقا من السيرة الحياتية لآخر وزير اتصال في عهد بن علي.
الباب الثاني من الكتاب، خصصه خالد الحداد لشهادات الصحافيين وأصحاب المؤسسات والأساتذة الباحثين. ويتكون من ثلاثة فصول: الفصل الأول للصحفيين والإعلاميين والفصل الثاني لأصحاب المؤسسات الإعلامية وأما الفصل الثالث فللباحثين والأساتذة في مجال علوم الإعلام والاتصال.
تناول خالد الحداد فترة الراحل الحبيب بورقيبة عبر اختياره لأربعة شخصيات كانت مسؤولة عن قطاع الصحافة والإعلام في تونس طيلة تلك الفترة، أي الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات. وفي كل عشرية اختار الحداد شخصية رسمية تروي له خصائص تلك الفترة وكيفية إدارة قطاع الصحافة والإعلام من داخل منظومة نظام الحبيب بورقيبة. وقد استعان الباحث بسبعة أسئلة كانت تطرح على المستجوبين لتحديد خصائص تلك الفترة من بينها استفسار حول التمثلات التي كانت لدى بورقيبة حول الإعلام قبل توليه السلطة ومقارنتها بسلوكه تجاه هذا القطاع بعد توليه السلطة، كما سأل الحداد عن وجود خط ثابت لدى بورقيبة في علاقته بالصحافة وذلك لاستجلاء خصائص الإعلام في العهد البورقيبي. وقد حاور خالد الحداد أربعة شخصيات كانت مسؤولة رسميا عن قطاع الصحافة والإعلام في تونس، فبدأ بمصطفى الفيلالي ثم محمد الصياح ثم مصطفى المصمودي ثم الطاهر بلخوجة.
في الفصل الثاني من الباب الأول، اختار خالد الحداد في بحثه أن يقترب من المطبخ الإعلامي التابع للسلطة في عهد بن علي منذ بدايته إلى حدود سنة 2011. وبالرغم من الصعوبات الموضوعية التي اعترضت الباحث في الحصول على شهادات من تلك الفترة، إلا أن الباحث وفق في الحصول على ثماني شهادات مثلت كشافا لفهم طريقة العمل في المجال الصحفي والإعلامي داخل الدوائر الرسمية للنظام. وهذه الأسماء هي: صلاح الدين معاوي، صلاح الدين الدريدي، محمد الغرياني، أسامة الرمضاني، محمد الحبيب حريز، محمد قنطارة، محمد جغام وسمير العبيدي. وقد تميز هذا الفصل بأن الأسئلة الموجهة للشهود كانت تراعي اختلاف مناصبهم وتكوينهم الأكاديمي ووظائفهم. وقد مثل هذا الفصل جزءا مهما من البحث الأكاديمي نظرا لتعمقه في بعض التفاصيل التي كانت تحيط بأحداث بعينها وكيفية تناولها إعلاميا.
ونظرا لأهمية الفترة الأخيرة من حقبة نظام بن علي، فقد خصص خالد الحداد فصلا كاملا للوقوف عند تفاصيل إدارة الإعلام التونسي مع سمير العبيدي، آخر وزير اتصال في عهد بن علي. حيث ركّز الباحث على الفترة الرابطة بين 29 ديسمبر 2010 و15 جانفي 2011 ليفسح فيها المجال لسمير العبيدي كي يروي تفاصيل تلك الفترة. وكل تدخل لسمير العبيدي كان مصحوبا بتعقيب من الباحث.
صحيح أن نظرة المسؤولين الرسميين في نظامي بورقيبة وبن علي مهمة جدا في معرفة مراحل تطور الصحافة التونسية منذ الاستقلال إلى الثورة، وذلك بالنظر إلى قدرة هؤلاء المسؤولين على تفسير ما كان يحدث وتقريب ذلك للقارئ. إلا أن الاقتراب من الصحفيين وأصحاب المؤسسات وأساتذة الإعلام والاتصال لا يقل أهمية في تلك المقاربة لأنهم من المباشرين الفعليين للعمل الميداني الإعلامي والصحفي وللتكوين الأكاديمي، وهو ما قام به الحداد بالفعل في الباب الثاني.
بدأ الباحث باستجواب أربعة عشر من الصحفيين والإعلاميين وقد اختار العينة وفق المعيار التاريخي أولا )فترة بورقيبة ثم فترة بن علي(، ثم معيار التنوع في الموقف تجاه النظامين السابقين. ومن بين الصحفيين الذين اختارهم الحداد نذكر عبد الحميد بن مصطفى وعبد اللطيف الفوراتي وصلاح الدين الجورشي وفوزية المزي ونجم الدين العكاري ولطفي زيتون ومحمد بن صالح وزياد الهاني.
في مستوى آخر، توجه خالد الحداد إلى أصحاب المؤسسات الإعلامية في النظام السابق، وقد نوّع في اختياراته أيضا. وكان عدد المستجوبين في بحثه من أصحاب المؤسسات الإعلامية ستة وهم: الطيب الزهار صاحب مجلة “حقائق”، ثم عمر الطويل صاحب جريدة “المصور”، ثم امحمد بن يوسف صاحب دار “تونس هبدو”، وأبو بكر الصغير صاحب مجلة “الملاحظ”، وأحمد نجيب الشابي المسؤول عن صحيفة “الموقف”، والهادي المشري عن جمعية مديري الصحف.
الفصل الثالث من الباب الثاني فقد خصصه الحداد لأساتذة معهد الصحافة وعلوم الإخبار وهم مؤهلون لتقييم واقع الإعلام والصحافة في تونس خاصة في عهد بن علي. وقد طرح الباحث عشرة أسئلة على المستجوبين من بينها تساؤلات حول خصائص السياسة الإعلامية في تونس في عهد بن علي ومراحل تطور الإعلام في تلك الفترة والعوائق التي كانت تقف أمام تطور الإعلام والصحافة نحو المستويات المأمولة، خاصة وأن الأكاديميين عموما حساسون تجاه أي تراجع في الأداء الصحفي والإعلامي. وقد اختار خالد الحداد كل من الدكتور عبد الكريم الحيزاوي والدكتورة سلوى الشرفي والدكتور محمد حمدان والدكتور مصطفى حسن والدكتور صادق الحمامي والدكتور محمد الفهري الشلبي.