حسب دراسة بعنوان “حرية التعبير والإعلام في تونس: النصوص والسياق” أعدّها أستاذ القانون مصطفى بلطيف والتي تمحورت حول الإصلاحات التي عرفها قطاع الإعلام التونسي وحرية التعبير منذ ثورة 14 جانفي 2011 والتي جعلت تونس تخرج من القائمة السوداء للدول المعادية لحرية الإعلام والإنترنت التي استقرت بها لسنوات طوال، إلى قائمة الدول التي تحظى بترتيب أفضل في مؤشر حرية التعبير والإعلام.
نشرت الدراسة في إطار بحث جماعي عمل تحت عنوان “حرية التعبير في الدول المغاربية: تنافر بين النصوص القانونية والممارسة القضائية” أشرفت عليه منظمة دعم الإعلام الدولية وجمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية.
اقر دستور 2014 التونسي مبدأ حرية التعبير والفكر كما اقرّ إحداث هيئة دستورية تشرف على قطاع الإعلام السمعي البصري وهيئة تضمن حق النفاذ إلى المعلومات، لكن رغم هذه النصوص يبقى مجال الإعلام وحرية التعبير يعاني من عدة نقائص.
منذ 2011 شهدت الصحافة المكتوبة إصلاحات عديدة أهمها إصدار المرسوم 115 لسنة 2011 الذي يلغي قانون الصحافة لعام 1975 ويحل محله، وشمل هذا المرسوم إلغاء صلاحيات وزارة الداخلية ونقل جميع الصلاحيات والإجراءات المرتبطة بحرية الإعلام والتعبير للقضاء، وأهمّها إلغاء نظام الترخيص المقنّع للمطبوعات الذي كان من مشمولات وزارة الداخلية.
عرف القطاع السمعي البصري هو الأخر إصلاحات عدة تمثلت في إصدار المرسوم 116 لسنة 2011 والذي بموجبه تم إنشاء الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري والتي أوكلت إليها ثلاثة صلاحيات متكاملة: تقريرية واستشارية ورقابية.
وإلي جانب المرسومين 115 و 116 تم إقرار عدد من الإصلاحات المتعلقة بقطاع الإعلام بدستور 2014، ومنها تأكيد مبدأ الحرية وفقا للفصل 31، الذّي يقرّ بأنّ “حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات” . كما يضمن الفصل 32 “الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة” ولتعزيز هذا الحق تمّ إنشاء هيئة مستقلة من مهامها ضمان الوصول إلى المعلومة.
وينّصّ الدستور في بابه السادس على إحداث هيئة السمعي البصري والتي ستحل محل الهيئة العليا المستقلة الحالية للاتصال السمعي البصري بصلاحيات تمكّنها من القيام بدورها كاملا كهيئة لتعديل القطاع السمعي البصري.
لكن ورغم إقرار هذه الصلاحيات في الدستور إلا أن بعض الأحكام اتسمت بالضعف، فحسب الفصل 6 من الدستور تعتبر الدولة “راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية”. كما “تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، وتلتزم أيضا بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها “.
لكنّ اعتبار الدولة في نفس الوقت حامية لحرية التعبير والإعلام وراعية للدين وحامية للمقدسات فيه تعارض في صلاحيات الدولة ، حيث انه قد تشكل هذه الحماية تقييدا غير مقبول وخطيرا على حرية التعبير إذ يمكن للدولة سنّ تشريعات تجرّم أي خطاب أو نصّ يرى فيه أنه مساس بالمقدسّات الدينية.
من النقائص الأخرى التي قد تحدّ من حرية الإعلام في دستور 2014 هو تنصيص بعض الفصول على أن أعضاء هيئة السمعي البصري يتم انتخابهم داخل مجلس الشعب، وهو ما قد يفتح الباب للتحكم في الهيئة من خلال اختيار الأعضاء فالأحزاب الكبرى يمكن لها ان ترجّح كفة احد الأعضاء لقربه من توجهاتها السياسية ، على حساب الكفاءة والنزاهة.
رغم أنّ دستور 2014 اقر عددا من الفصول المتعلقة بحرية التعبير والإعلام والنفاذ إلي المعلومة إلى انه صادق على نصين قانونين احدهما القانون الأساسي المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة والثاني قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال ووصف التقرير هاذين القانونين بأنهما “خطوتان إلى الوراء”.
ينص القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال لسنة 2015، على عدد من المقتضيات التي من شأنها أن تحد بشكل كبير من حرية الإعلام في تغطيته للأحداث السياسية، وخاصة عمل السلطات في مجال محاربة الإرهاب. كما ينص على مجموعة من الجرائم والمخالفات التي تم تعريفها بشكل فضفاض، من خلال مصطلحات غامضة تفسح المجال لتأويلات ذاتية قد تؤدي لضغوط غير مقبولة على وسائل الإعلام والصحافيين عند تغطية أحداث مرتبطة بأنشطة إرهابية مفترضة أو بمواقف السلطات إزاء هذه الأحداث. وكل هذه الجرائم والجنح والمخالفات تقابلها عقوبات قاسية وسالبة للحرية.
أمّا القانون الأساسي الثاني المتعلّق بحق بالنفاذ إلى المعلومة الذي تمت المصادقة عليه سنة 2016 ويلغي هذا القانون، الذي يتضمن 61 مادة، مرسوم سنة 2011 ويحل محله. ينص في فصله الأول على ضمان حقّ كل شخص طبيعي أو معنوي في الحصول على المعلومة، ويوسّع من نطاق تطبيقه، بينما يحثّ المؤسسات العمومية المعنية على نشر وتحديث البيانات التي في حوزتها تلقائيا وبانتظام. كما يحدث هيئة عمومية مستقلة تسمى “هيئة النفاذ إلى المعلومة”.
ورغم ايجابية صدور هذا القانون الأساسي إلا انه، حسب التقرير، يعاني من بعض النقائص وتوجه له مؤاخذات بسبب الاستثناءات التي ينص عليها الفصل24 والمتعلقة بـ:
* الأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتصل بهما
* حماية الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية والملكية الفكرية
* إلى جانب ضعف حماية الصحافيين ومصادرهم.
وفي إطار ما يقتضيه دستور 2014 ، يتم الإعداد لعدد من مشاريع القوانين من طرف عدة جهات معنية، ومنها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري والوزارة المكلفة بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.
اعدت الوزارة المكلّفة بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان مشروع قانون أساسي متعلق بالإطار القانوني للقطاع السمعي البصري ويتكون من 170 مادة موزعة على 7 أبواب.
واقترحت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هي الأخرى مشروع قانون أساسي بنفس عدد البنود تقريبا مع اختلاف في تكوين هيئة السمعي البصري المقبلة وطريقة تعيين أعضائها واختصاصاتها منها صفة الأعضاء، حيث نص مشروع الوزارة على وجود صحافي واحد، بينما نصّ مشروع الهيئة على صحفيين اثنين.
إلى جانب تعيين الأعضاء، فبينما يقترح مشروع الوزارة مبدأ الترشح الحر وانتخاب الأعضاء من قبل مجلس الشعب بالأغلبية المعززة، يفرق مشروع الهيئة بين من يقومون بترشيح الأعضاء، أي المنظمات التي تمثل القطاعات التي ينتمي إليها الأعضاء المقبلون، ومن يصوتون على تعيينهم، أي مجلس نواب الشعب.
وحسب التقرير فان مقترح الوزارة يسعى إلى إبعاد الهيئة عن هيمنة الفئوية المهنية، لكنها تفتح الباب أمام هيمنة الأحزاب والتكتلات الحزبية ذات الأغلبية البرلمانية والمسيطرة على الجهاز التنفيذي، مما يهدد استقلالية الهيئة.في المقابل، يقصي مشروع الهيئة بصفة شبه كلية السلطات العمومية، التشريعية منها والتنفيذية، ويضمن لهذه الهيئة على ما يبدو استقلالية قوية عن السلطات السياسية.
ومن الاختلافات الأخرى مجال الاختصاصات الاستشارية للهيئة المستقبلية، حيث حافظ مشروع الوزارة على رأي الهيئة المطابق في تعيين المسؤولين الأوّل عن وسائل الإعلام السمعي البصري العمومية ولكنه سكت عن الإعفاء. أما مشروع الهيئة فيؤكد على الرأي المطابق ويشير صراحة إلى وجوبه في التعيين والإعفاء على حد سواء.
وسوم: الإعلام التونسي • تونس • حرية الرأي