الصحفيون العرب: غياب عملهم الاستقصائي من غياب رضاهم الوظيفي

16 February، 2018 • آخر المقالاتأبرز المواضيعالأخلاقيات والجودةالإعلام والسياسةحرية الصحافة • المحرر(ة)

حقوق الصورة @workmac

يتعرض الصحفي الاستقصائي لشتى أنواع التحديات والمخاوف: بدءا من الحاجة للإنفاق على إجراء بحثته الذي قد تطول مدته الزمنية وتتوسع بقعته الجغرافية، ووصولا في أقصاها إلى مستوى التهديد في السلامة والأمن. رغم ذلك، يكاد الدعم المؤسسي أن ينعدم.

“قمت بأعمال استقصائية لوسائل اعلام مختلفة، وسأفكر كثيرا قبل أن أتورط بعمل استقصائي جديد…” هكذا اختصر وسام من العراق المشهد.

لم أكن متحققا من مقدار الرضا الوظيفي لدى الصحفيين في البلدان العربية، وإن كنت أرجح – دون دليل ثابت قبل شروعي في هذا البحث –  أن غياب هذا الرضا قد يترك أثرا على جودة التقارير الاستقصائية. ثم تبينت لي حقيقة هذا الافتراض.

ويضيف أمين من الجزائر “نعم، تعرضت لمعوقات في شكل تهديدات من أجل التشويش على العمل الاستقصائي ومحاولة عدم نشره. ولم أجد مساندة من داخل المؤسسة”.

وقد أظهرت مؤخرا، دراسة أعدّها محمد الخالدي في مملكة البحرين، وعنوانها “الرضا الوظيفي لدى محرري الصحف اليومية البحرينية” لنتائج تعزز ما ذهب إليه زملاؤه في دول عربية أخرى.

يقول الخالدي في ملخصها: “ولأن العمل بات محورا حيويا في حياة الإنسان، لكونه يشبع طموحه واتجاهاته ودوافعه الشخصية اللازمة لمواصلة مسيرته في الحياة، بات وجود الرضا – كمؤشر – من الأمور البديهية لتفسير مدى انسجام الفرد مع عمله، من خلال الجوانب المادية والمعنوية؛ لتأثيرها إيجابيا أو سلبا على تحفيز الرغبة أو الدافعية لديه للقيام بهذا العمل على أفضل الوجوه الممكنة”.

وتناول الخالدي في دراسته، وضعية 80 محررا صحفيا، كان من بين أهم نتائجها “وجود فروق ذات دلالة إحصائية في مستوى الرضا عن العلاقة مع الرئيس المباشر لدى المحررين تبعا لمتغير الدخل الشهري لصالح ذوي الدخل الأقل من 500 دينار بحريني، ووجود فروق ذات دلالة إحصائية في مستوى الرضا الوظيفي عن العمل وفقا لمتغير الدخل الشهري، لصالح ذوي الدخل من 1000 إلى أقل من 1500 دينار.”

وأثبتت الدراسة غياب استراتيجية واضحة لدى المؤسسات الصحفية البحرينيّة فيما يخص عملية التدريب والتأهيل، وبالتالي فإن تطوير المهارات الفنية للصحفيين عملية غير منظمة في المؤسسات الصحفية البحرينية، خصوصا وأن حرص الصحفي على تطوير إمكانياته مرتبط برضاه الوظيفي عن عمله.

وربطت الدارسة بين أمور رئيسية تتعلق بمستوى الرضا الوظيفي، من بيئها: العلاقة مع المسؤول المباشر، الدخل الشهري، العلاقة مع زملاء العمل، التعامل مع الصحفي كموظف إداري يحكمه الوقت والمكان وساعات عمل محددة.

ليست هذه الدراسة الوحيدة في هذا الميدان، فهناك عشرات الدراسات الأخرى التي تناولت الموضوع من جوانب قريبة، كثير منها في الدول العربية كالأردن ومصر والكويت والسعودية والعراق والجزائر، وكلها ربطت عدم رضا الصحفيين بغياب مقومات رئيسية لدى أي موظف، منها كرامة الصحفي كفرد، وإحساسه باهتمام الصحيفة به، وتشجيع روح الابتكار لديه، والتمييز بينه وبين الآخرين – وربطت كل ذلك بمستوى الإنجاز في العمل.

ولوثوق هذا الرابط، فإن الدراسات مستمرة للنظر فيه وبحثه بشكل مكثف، كان آخرها الدراسة التي أعدها الصحفي العراقي أحمد صادق والتي نال بها شهادة الماجستير من جامعة بغداد في 23 يناير الحالي 2018 عن رسالته الموسومة “العوامل المؤثرة في مستويات أداء الصحفيين الاستقصائيين العرب.”

في البحرين، تنص المادة (30) من الفصل الثاني من قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر على التالي: “لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للمساس بأمنه، كما لا يجوز إجباره على إفشاء مصادر معلوماته، وذلك كله في حدود القانون.”

أما المادة (34) من نفس القانون فتضمنت العبارة التالية: “كل من أهان صحفيا أو تعدى عليه بسبب عمله يعاقب بالعقوبات المقررة للتعدي على الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة…” الخ المادة.

كان التهديد الأمني والخوف من الأذى السبب في توقف يحيى، من كردستان، عن إكمال تحقيق حاول إجراءه حول تهريب “داعش” للنفط وبيعه في السوق السوداء. يقول يحيى: “هناك مخاوف أمنية على حياتي، وبالتالي بقي هذا الأمر عائقا رئيسيا أمام إكمالي للتحقيق!” وبسؤاله عن الدعم الذي يتلقاه من مؤسسته الإعلامية يجيب يحيى: “لم أتلق أي دعم،” مضيفا أن المؤسسة اعتبرت عمله كالقيام بأي تقرير أو قصة خبرية عادية لا تستلزم الكثير من الإعداد، مساوين العمل الاستقصائي بالعمل الصحفي اليومي المعتاد.

من وجهة نظري، فإن الخلل موجود على أكثر من مستوى، وإن السعي لرأبه يجب أن يتم على أكثر من صعيد. هو موجود في القانون المنظم للعمل الإعلامي تارة، وفي غياب الدعم المادي المخصص للوسيلة الإعلامية تارة أخرى، وفي غياب الثقافة المجتمعية التي تقدّر العمل الاستقصائي وأثره في تقويم النواقص والمفاسد تارة ثالثة.

فمثلا، لا يجب أن يقتصر الدور المعقود بجمعيات ونقابات الصحفيين على المساندات المعنوية فقط، بل يجب أن يمثل الدعم المادي نسبة عالية منه. فيجب أن يتم تخصيص دعم مادي، تحمل راية تحقيقه هذه النقابات، حتى تضمن جميع المؤسسات الإعلامية الحصول على دعم غير رسمي – ولكن مقنن – بصفتها حارس البوابة المسؤول عن ملاحقة ومراقبة المؤسسات الرسمية والخاصة للقيام بأدوارها على أتم وجه. والسبب الذي يجب أن يكون الدعم غير رسمي هو ضمان حيادية هذه المؤسسات واستقلاليتها. كأن يتم تخصيص ضريبة محددة على شركات القطاع الخاص يذهب مدخولها للمؤسسات الإعلامية (المستوفية للشروط).

وهناك نموذج للسيادة الحكومية على وسائل الإعلام يجري في مصر أثار الكثير من الجدل خلال المدة القصيرة الماضية. فهناك مؤسسات تابعة للحكومة بدأت في شراء حصص ملكية سيادية في مؤسسات إعلامية خاصة، وهو ما أثار تساؤلات كثيرة لدى صحفيين وناشطين اتهموا الحكومة بالتوجه نحو التحكم في وسائل الإعلام من الداخل بشراء هذه الحصص السيادية.

وتعتبر أيضا الثقافة المجتمعية ونظرة عامة الناس للصحافة على أنّها صحافة فاقدة للمصداقية ولا تستحق الدعم، ثقافة معيقة لهذا الدور. فعلى عكس الدول الغربية التي تخصص ميزانيات موسومة للصحافة تعينها على القيام بدورها، ووجود استجابة بين الجمهور تتمثل في شكل رأي عام يستنفره نشر القضايا العامة وكشفها للقراء، فإن مثل هذه الاستجابة لا تكاد تكون موجودة في الدول العربية.

أختم بهذه الحادثة من العراق، حيث تعرض الصحفي وسام للملاحقة القضائية بسبب خطأ لم يكن مسؤولا عنه كما يقول: “أخطأت الصحيفة بتحرير التقرير النهائي ورغم أنني واجهت المحرر بمسودة التقرير التي بعثتها له واعترف بتغيير الصياغة، إلا أنّ المؤسسة رفضت أن تتحمل المسؤوليّة القانونية للتقرير وتمّت مقاضاتي بسبب هذا الخطأ.”

وسوم:

Send this to a friend