تخضع السلطة الرابعة أكثر من أي وقت مضى للنقد وحتى للانتقام من قبل المواطنين الذين من المفترض أن يستفيدوا منها. ويساهم تنامي قوة سلطة المواطن كسلطة خامسة في خضوع وسائل الإعلام والصحفيين للمساءلة.
وقد حلّ الوقت الذي كان فيه المواطنون “العاديون” في صمت، مستبعدين من المجال العموميّ ووسائل الإعلام. وقد كانت شكاواهم، مبررة أم لا، مدانة من قبل جمهور محدود: الأسرة والأصدقاء والجيران وزملاء العمل، الخ.كما أنّ تأثيرهم في النقاش العام كان محدودا لا تخضع انتقاداتهم لمبالاة وسائل الإعلام والصحفيين.
كانت هناك بالتأكيد، العديد من الفرص للحصول على آراء الجمهور حول أداء وسائل الإعلام، عن طريق الهاتف بالإذاعة والتلفزيون، أو من خلال الرسائل المفتوحة. ولكننا نعرف أن هذه التعليقات يقع فرزها وفقا لمعايير الصحفية وأنّ مهنيي وسائل الإعلام الالكترونية يلعبون دورالمراقب في تصفية الاتصالات التي لها صدى في الإذاعة والتلفزيون.
وإنّ الصمت الإعلامي المفروض على المواطنين لا يمنعهم من النقد والأحقاد والضغائن. وقد كشفت استطلاعات الرأي العام التي أجريت خلال العديد العقود، مشاكل المصداقية وانعدام الثقة بين الناس ووسائل الإعلام والصحفيين.
لا تعتبر بالتأكيد، الانتقادات الخارجية لوسائل الإعلام ممارسة جديدة. كما يتضح من خلال العديد من أعمال الخيال، بدءا من الأدب وصولا إلى السنيما، مرورا بالمسرح والأغنية. وتمكّن الفرد منذ فترة طويلة من قراءة المقالات النقدية التي ينتجها كتّاب ليسوا من ميدان الصحافة.
وتغير الوضع بشكل كبير خلال عشرين عاما فقط. ممّا لا شك فيه أنّه مع وجود الإنترنت وتفاعل الويب 2.0 ووجود المدوّنات ومواقع الانترنت والمحادثة الجارية سمحت للميديا الاجتماعية -عندما تكون موجودة ببساطة لا للقدح أو الذم – للمواطنين من اقتحام النقاش العام. وغالبا ما يطالبون بالمعايير المهنية والمبادئ الأخلاقية غير معروفة ونادرا ما تكون صريحة.
ويعني مفهوم المساءلة في قبولها الأنجلوسكسوني (المساءلة)، والتي تشير إلى المحاسبة من حيث الامتثال أو لا لمسؤوليات معيّنة. وهو الوقت الذي بقصد أو بدون قصد، يتمّ فيه تقييم سلوك الصحفيين من حيث مسؤولياتهم الأخلاقيّة لتقييم مدى امتثالهملها أو لتأكيد انتهاكات محتملة.
وقد أكدّ العديد من المراقبين والمتخصصين والباحثين في وسائل الإعلام والصحافة، المشاركة الصاعدة للمواطنين كمصادر أكثر أو أقل نفوذا بين مواطنيهم، وكمساهمين في بناء محتوى وسائل الإعلام، وكمواطنين صحفيين وكواصفين للممارسات الصحفية. لا يقتصر هذا النقد المتزايد والمستمر على وسائل الإعلام والممارسات الصحفية، بل يمتد إلى النخب السياسيّة والاقتصاديّة والدينيّة أو غير ذلك.
ويمكن للمواطنين أن يتكلمواأكثر من أي وقت مضى، بدلا من مجرد الاستماع إلى أولئك الذين تحدّثوا لسنوات عديدة نيابة عنهم. وسيكون من الخطأ القول بأنّ هذا الاحتمال وارد مع الجميع، بسبب وجود عوامل إقصائيّة مثل الدخل والعمر والمستوى التعليمي والطبقة الاجتماعيّة والجنس، وغيرها. وتبقى الحقيقة أن الوصول إلى المجال العامّ أصبح أسهل من أي وقت مضى، والذي لا يضمن في أن يستمع إلينا الجميع.
وبفضل انتشار شبكة الإنترنت، تمّ دمقرطة عمليّة انتقاد وسائل الاعلام، على الأقل بصفة متساوية. ويمكن من خلال عمليّة النقد الهروب من قواعد الفرز وضمان اعتدال وسائل الإعلام، يتمّ نشرها فيروسيا وكردّة فعل على التويتر، وبطريقة أكثر وضوحا على الفايسبوك، الخ.
ويمكن أن يشمل النقد بالطبع كلمة بذيئة وتكون أكثر العاطفية ومنحازة، حتّى وان كانت عن سوء نيّة. لكنّه سيواجه خطاب الخبراء الموثق والغير متسامح دون أيّ عدائية. فوسائل الإعلام والصحفيين يجبرون فقط على الاستماع عندما يتعلّق بتقديم شرح أفضل وتبرير عملهم والاعتراف بأخطائهم والاعتذار إذا لزم الأمر.
يعتبر هذا الشكل الجديد من المساءلة الصحفية، على عكس الأجهزة التقليدية (موفق وسائل الإعلام، المجالس الصحفية، الوسطاء،الخ.)، على حد سواء مباشر ومنتشر بكلّ مكان، جذريّ وغيرمنتظم، عفوي و فيروسي، يقوم به الخبراء أو المواطن العادي. وعلى الرغم من عيوبه، فإنّه مفروض على وسائل الإعلام والصحفيين. وعلى الرغم من أنّ مداخلات المواطنين تكون من خارج المؤسسات الإعلامية، فإنّه يعدّ شكل جديد من المشاركة بصفتهم جهة فاعلة من بين الفاعلين في وسائل الإعلام التي تمارس التعديل المشترك، حيث تأخذ هذه الجهات الإعلاميّة ملاحظاتهم بعين الاعتبار.
ملاحظة: نشر هذا المقال في مرحلة أولى بالنسخة الفرنسية للمرصد العربي للصحافة وترجم من قبل نهى بلعيد.