أشكال متنوّعة من التضليل الإعلامي

31 December، 2019 • آخر المقالاتأبرز المواضيعالأخلاقيات والجودةالتحقق من المعلوماتالتغطية الإعلاميّة • المحرر(ة)

يغلب التلوّث على بيئتنا الإعلامية، و الوضوح هو السّلاح الأوّل لمقاومة الإنتشار المستمر للتّقنيات التي يعتمدها أعوان التضليل الإعلامي. تقترح الباحثة كلير واردل Claire Wardle مديرة مؤسسة First Draft ، تصنيفا دقيقا لمختلف اشكال المضامين لما تسمّيه “الإضطراب الإعلامي” و هو يشمل كلّ مضمون كاذب يشكّل بيئة مركّبة رائجة على الإنترنت و لم يعد مصطلح خبر كاذب «fake news» وحده قادرا على الإحاطة بها.

و تعتبر الكاتبة التي ساهمت سنة 2016 ضمن فريق نشر تقريرا حول نفس الموضوع و قامت حديثا بتحيينه على شكل دليل يهدف الى فهم الإضطراب الإعلامي، أن الخطوة الأولى لمقاومة التلوّث الإعلامي هي فهم مدى تعقّد هذه الظاهرة.

عصر “الإضطراب الإعلامي”

تجتهد الكاتبة في تحديد المصطلحات لأضفاء بعض النظام على منظومة “الإضطراب الإعلامي” في الفضاء الرقمي، و تقترح عدم الإكتفاء بمصطلح خبر كاذب الذي راج على كلّ الألسن منذ سنوات، نظرا الى تعدّد أشكال المضامين المسيئة الى درجة جعلت هذا المصطلح العام “لا يستطيع تغطية هذا الواقع الإعلامي الجديد”. فهذه المضامين لا تقتصر دوما على الأخبار في شكلها المتعارف، بل هي تدمج مجموعة من التقنيات مثل الإشاعة و الفيديوات التي تمّ التلاعب بتركيبها و تشتمل ايضا مضامين ليست كلّها كاذبة لكنها نشرت في إخراج و تلاعب، خارج سياقاتها. و تقترح الكاتبة مصطلح “الإضطراب الإعلامي” information disorder التي تغطّي أصنافا متنوّعة من “المضامين الكاذبة” كثيرة الرّواج على شبكة الإنترنت: الدعاية، الأكاذيب، الدسائس، الإشاعات، الأخبار الكاذبة، المضامين مفرطة التحيّز و التسجيلات المصوّرة أو وسائل إعلام التي تمّ التلاعب بها.

“الإضطراب الإعلامي” ظاهرة معقّدة، و تقترح الكاتبة تفكيكها الى ثلاثة أصناف بالرجوع الى درجة تزوير المعلومات المعتمدة و وجود قصد الإساءة و هكذا فهي تميّز بين : التضليل الإعلامي (disinformation\désinformation) و التقصير الإعلامي (misinformation\ mésinformation ) و التحامل الإعلامي (malinformation).

يجمع التضليل الإعلامي  (disinformation\désinformation) بين قصد الإساءة و زيف المعلومة و يعتمد بصفة واعية مضمونا كاذبا أعدّ خصيصا بهدف الإساءة، رغبة في تحقيق تاثير سياسي أو مصلحة مادّية أو خلق إضطرابات أو مجرّد متعة الإيذاء.

و عندما يعاد نشر مضمون من ضمن صنف التضليل الإعلامي من قبل اشخاص لا يهدفون الى الإساءة المقصودة و لا هم هم على بيّنة من الطبيعة الزّائفة للمضمون، تقترح الكاتبة إعتبار ذلك تقصيرا إعلاميا misinformation\ mésinformation ).

و يتشكّل الصّنف الثالث و هو التحامل الإعلامي (malinformation) من مضامين صحيحة كلّيا او جزئيا، لكن ترويجها يهدف الى الإساءة و الى المسّ من سمعة الأشخاص ذوي العلاقة بالمضمون المنشور. و يكثر إعتماد هذا الأسلوب الذي يجمع بين نواة صلبة لمعلومة صحيحة ترافقها معلومات غير مؤكّدة أو زائفة نظرا لقابليّة تصديقها و فرص إعادة نشرها. و من خصائص هذا الصّنف أنه يصعب تشخيصه بتقنية التدقيق الإعلامي التي تجرى آليا عن طريق الذكاء الإصطناعي، بهدف التصدّي الى الأخبار الكاذبة.

تستعرض الكاتبة سبع مواد إعلامية رائجة على الشبكة، تشكّل طيفا يذهب من الهجاء و المواد السّاخرة الى المضامين المفبركة كلّيا.

  1. مواد هجائية و هزلية

تعتبر المواد الهجائية و الهزلية مبدثيا من صنف الإنتاج الفنّي و الأدبي، لكنّها يمكن ان تتحوّل الى أداة ناجعة لنشر الإشاعات و الدّسائس خاصّة إذا ما تكرر نشرها و إبتعدت تدريجيا عن سياقها الأصلي مما يجعل من الصّعب على المتلقين، إدراك طابعها كتقليد هزلي يحاكي الواقع باسلوب ادبي. فعلى سبيل المثال نشر الموقع الفرنسي الهزلي Le Gorafi أثناء الحملة الإنتخابية سنة 2017 مادّة ساخرة تقول أن المرشّح ماكرون يشعر بالوسخ كلّما صافح الفقراء و تمّت إعادة نشر مقاطع في صفحات فايسبوك لأقصى اليمين الفرنسي و أعيد نشرها منها، مكررا كمادّة إعلامية جادّة، غاب عنها طابعها الهزلي.

2. العناوين\الرّوابط المغرية

تتحمّل وسائل الإعلام قسطا من المسؤولية في تغذية “الإضطراب الإعلامي” إذ تشير الكاتبة الى إنتشار تقنية العناوين\الروابط المغرية التي توهم القرّاء بما لا يتضمّنه فعلا نصّ الموضوع المنشور و الهدف طبعا هو تحقيق أكثر فرص دخول للموضوع إنطلاقا من العنوان (clickbait) و تستعمل عادة عبارة رابط خاطئ  (false connection\fausse connexion)  للدلالة على هذا الفرق بين العنوان و المضمون الفعلي للموضوع. و تعترف الكاتبة ان مثل هذه الممارسات ناتجة عن المنافسة الشديدة بين وسائل الإعلام لشدّ إنتباه القرّاء لكنها تنتقد هذا الأسلوب الذي يساهم بدوره في التلويث الإعلامي و يضعف مصداقية السلطة الرابعة.

3. مضامين خادعة

على شاكلة العناوين\الروابط المغرية هناك مضامين خادعة  (misleading content\contenu trompeur)، تتمثل في إستسهال توظيف المعلومات بصفة جزئية، بهدف دعم حجّة أو رأي و هذا الأسلوب ليس بجديد و قد يتمثل في إقتطاع شواهد تحشر في نصّ يدافع عن فكرة أوسع بكثير من مضمون الشاهد أو إنتقاء إحصائية يقع إسقاطها دعما لموقف أو تجنّب إنجاز تغطية حدث لا يتناسب مع موقف ما.

4. السياق الخادع

السّياق الخادع   (false context\faux contexte) ، صنف من المضامين المضلّلة الذي يعتمد معلومة سليمة لكنها توظّف في سياق غير مناسب. على سبيل المثال بعد عملية إرهابية في واستمنستر Westminster  سنة 2017 راجت صورة لسيدة متحجّبة تمرّ قريبا من ضحيّة طريحة الأرض، من غير التوقّف للنظر اليها و رافقتها على صفحات الشبكات الإجتماعية تعليقات معادية للمسلمين، تشهّر بلامبالاة هذه السيّدة و عدم تعاطفها مع الضحيّة. فهذه الصّورة حقيقية لكنّها وظّفت في سياق خاطئ سمح بهذه التعليقات التي لا تعكس حقيقة الموقف. و فعلا تمّ الإتصال بهذه السيّدة التي صرّحت أنها كانت شديدة التأثّر بوضعية الضحيّة لكنها لم توجّه النظر إحتراما لمشاعر الضحيّة.

5. المضمون المزوّر

المضمون المزوّر (imposter content\contenu imposteur) ، على عكس المضامين السابقة، كاذب كلّيا. فهي معلومات مفتعلة أو صور أو فيديوهات خادعة أضيفت اليها، صورة لوغو وسيلة إعلامية جادّة أو مؤسسة رسمية مشهورة. و هذه تقنية ناجعة لأن العقل البشري يسعى دوما الى البحث عن علامات تسمح بإضفاء مصداقية على كل ما يتعرّض اليه. فصفحات الشبكات الإجتماعية التي لا تمتلك هي في حدّ ذاتها مصداقية، تدرج علامات لمؤسسات مشهورة يطمئنّ اليها القرّاء. و تدعو الكاتبة كلّ من يتابع الشبكات الإجتماعية الى الحذر من كل أنواع المضامين فحتى التسجيلات الصوتية يمكن أن تكون خادعة. و أحيانا يمكن أن تزوّر مواقع إلكترونية بالكامل فتنتحل إخراجا و أسلوبا يجعلها سهلة الخلط مع وسائل إعلامية محلّية جادّة، كما كشف ذلك سنوبس  Snopes و هو موقع إنجليزي يقاوم الأخبار الكاذبة على الإنترنت.

6. مضامين تم التلاعب بها

تستعمل أحيانا مضامين اصيلة و سليمة يتمّ التلاعب ببعض عناصرها و تغييرها و هذا دارج في حالة الصّور المركّبة حيث يتمّ إستعمال عدّة صور لإنشاء صورة تأليفية جديدة و قد يتمّ ذلك ايضا بالنسبة الى شريط الفيديو. على سبيل المثال إنطلاقا من شريط فيديو أصلي يقدّم السيدة إيمه قونزاليس  Emma Gonzalez الضحية التي نجت من هجوم باركلاند  Parkland  و هي تتوجّه الى تقطيع هدف رماية، يتمّ تعديل هذا المشهد فتظهر الضحية و كأنّها تقطّع الدّستور الأمريكي و تمّت إعادة نشر هذا المقطع الآلاف من المرّات و حتى من شخصيات مرموقة.

7. المضامين المفبركة

المضامين المفبركة (fabricated content\contenu fabrique)، كاذبة كلّيا و تهدف الى إيقاع القارئ في الخطء و الى الإساءة. و تذكر الكاتبة أن موضوعا صحفيا نشر سنة 2016 أثناء الحملة الإنتخابية للمرشّح دونالد ترامب  Donald Trump يقول أنه يحظى بمساندة البابا. و قد يعاد نشر مثل هذه المضامين من غير وعي من قبل وسائل إعلام أخرى و قد نشرت جريدة النيويورك بوست  New York Post في صفحتها الأولى صورة مستخرجة من فيديو مفبرك يصف فضائع الحرب في سورية. و مع تطوّر التقنيات الحديثة أصبح من السّهل التلاعب بمضامين اشرطة الفيديو بالإعتماد على الذكاء الإصطناعي تنعت بالأكاذيب من الوزن الثقيل deepfakes و منها الشريط المفبكرك الذي يصوّر الرئيس الأمريكي ترامب و هو يعلن عن القضاء التام على مرض نقص المناعة المكتسبة (السيدا\الإيدز).

قد تكون هذه القائمة من المضامين على درجة من التفصيل لكنها تسمح بإدخال فويرقات و تمييز بين مجموع هذه المضامين التي تشكّل “الإضطراب الإعلامي”، فمن الأفضل حسب الكاتبة عدم إعتبار هذه المواد، كلتة واحدة و يساعد تفصيل هذه التقنيات و تشخيصها، هيئات التحرير الصحفية على تمكين الجمهور من فهم أفضل لكلّ الرهانات الإعلامية التي تواجهنا”

ملاحظة: نشر هذا المقال بالنسخة الفرنسية للمرصد الأوربي للصحافة وترجم من قبل الدكتور المهدي الجندوبي. وهو أستاذ مساعد، بمعهد الصحافة و علوم الإخبار، تونس.  متقاعد منذ سنة 2013 حاصل على دكتوراه حلقة ثالثة في الإعلام من جامعة باريس 2 ، سنة 1979. عمل في الحقل الصحفي ثم التحق سنة 1980 بالجامعة لتدريس الصحافة و الإعلام في تونس ثم البحرين و ابوظبي. نشر كتاب صحافة الوكالات صحافة الأساس، منشورات معهد الصحافة، تونس 1984 (باللغة الفرنسية) و مؤلف مشارك في كتاب ثنائي مع د.عوض هاشم: دليل كتابة الخبر، نشر وزارة الثقاقة بالبحرين، 2010. ويشرف منذ  2010على مدوّنة تعنى بالتحرير الصحفي: www.journalismwritingcourses.blogspot.com

وسوم:

Send this to a friend