صدر عن مركز جاك بيرك للبحوث والدراسات دراسة قام بها الباحث المغربي عبد الفتاح بن شنة بعنوان “الحركة التجارية للأفلام المغاربية في قاعات السينما بفرنسا”. وقد تضمن البحث تحليلا كميا وكيفيا لترويج السينما المغاربية في فرنسا وكيفية عرض تلك الأفلام في قاعات السينما.
وقد انطلق الباحث من فكرة أن السينما والإنتاج الفني بشكل عام يعد ورقة دبلوماسية ثقافية قوية في هذه الفترة، وبالتالي ـ وعند الحديث عن السينما ـ فإن جنسية الفلم المعروض تعد مسألة مهمة جدا في العمل الدبلوماسي المنخرط في قضايا جيوسياسية كبرى.
أطروحة هذه الورقة البحثية التي قام بها بن شنة تتمثل في ثلاث مستويات رئيسية وهي المستوى العام الذي أشار فيه إلى أن السينما فن ليس في معزل عن العمل السياسي الدولي والعلاقات بين الأمم وسياسات الانتاج والتوزيع السينمائي جزء من ذلك العمل. أما المستوى المتوسط فيتعلق بالفاعلين الاقتصاديين لمجال التوزيع السينمائي المغاربي في فرنسا وماهية المصاعب والمتطلبات التي يمكن أن تعترض هؤلاء الفاعلين. وثالثا في المستوى الخاص فيتعلق الأمر بالمتلقي وكيفية ممارسته لعاداته السينمائية واستراتيجية اختياره للفيلم المفضل لديه في قاعات السينما.
وقد ركز الباحث المغربي أساسا على المستوى الثاني، وهو الفاعلين الاقتصاديين في محاولة منه لفهم العوامل التي تدخل في مسألة توزيع الأفلام المغاربية. هذه العوامل التي لا تخضع فقط لمنطق اقتصادي وفني ـ جمالي، لكنها تخضع أيضا إلى مجال الـ”ما بعد استعماري” في معنى أن كلمة “ما بعد” تفيد الماوراء وهو معنى يتجاوز التسلسل الزمني البسيط للتاريخ.
ماهو الفلم المغاربي؟
العديد من الكتب والدراسات حسب عبد الفتاح بن شنة تؤكد أن السينما المغاربية هي “صناعة اجتماعية”. وقد ارتكز بن شنة إلى ما قاله دنيس براهيمي وهو فرنسي من أصل جزائري في أن أفلام دول المغرب العربي ارتكزت في فترة ما بعد الاستقلال على حركات التحرر الوطنية الخاصة بها، وبالتالي فإن السينما المغاربية لا تزال متأثرة بمكان عرض الفيلم وماهية الجمهور المتقبل للفلم. كما أن الفلم المغاربي اليوم، وبعد فترة من الزمن، لا يزال خاضعا لاتفاقيات التعاون في الإنتاج بين المغرب والجزائر وتونس والتي تعتبر اتفاقيات مكبلة وضعيفة جدا.
وفي سياق تحليل عبد الفتاح بن شنة لهوية الفلم المغاربي، تحدث أيضا عن جنسية هذا الفلم، وهو ما كشف أزمة عميقة في تحديد هذه الجنسية لعدة عوامل لعل أهمها علاقات القوة في الانتاج والتوزيع والعرض خاصة في دول أخرى مثل فرنسا.
يشير بن شنة إلى أن عديد الدول الأوروبية تمكنت من تعريف دقيق لإنتاجاتها السينمائية بشكل واضح، حيث يمكن التعرف سريعا إلى الفلم البريطاني عبر خصائصه وإلى الفلم الفرنسي الذي دائما ما يكون انتاجه بالكامل أو بالأغلبية إنتاجا فرنسيا لأن الفرنسيين يفرضون في حالة انتاج مشترك أن تكون أغلبية عملية الانتاج تابعة لفرنسا. أما الأفلام المغاربية فليس لها تعريف وهوية واضحة. ويتساءل عبد الفتاح بن شنة قائلا: “ما فائدة أن يكون هناك فلم ـ مثلا ـ ألفه جائري وممول من أوروبا”؟ وهل يمكن اعتبار فلم أخرجه فرنسي من أصل مغربي فلما مغربيا؟ وهل أن الانتاج المشترك بين تونس وفرنسا في الأفلام يمكن التونسيين من القول أن تلك الأفلام تونسية علما وأن شرط الإنتاج المشترك في فرنسا يحتم أن تكون لفرنسا الأغلبية في الإنتاج؟
كيفية إنتاج فلم مغاربي
يحلل عبد الفتاح بن شنة في دراسته “الحركة التجارية للأفلام المغاربية في قاعات السينما بفرنسا” مسار إنتاج الأفلام في الدول المغاربية انطلاقا من بعض الأمثلة الواقعية. ففي المغرب توجد اجراءات مساعدة حكومية منذ سنة 1980 للمنتجين والمخرجين المغاربة لإنتاج أفلام لكن تلك المساعدات تعتبر ضعيفة جدا مقارنة بما يمكن أن تقدمه حكومة أوروبية لمنتجيها ومخرجيها هناك، وبالتالي فإن التنافسية سوف تكون غير متوازنة بين الأفلام المغربية والبلجيكية مثلا.
في الجزائر، فإن غياب الدعم الحكومي أثر بشكل كبير على صناعة الأفلام ولم يعد للفلم الجزائري حضوة في القاعات المحلية والأوروبية بعد أن كانت السينما الجزائرية (التي تهتم بفترة ما بعد الاستقلال) قوية نسبيا.
أما في تونس فإن كتاب السيناريو يلتفتون دائما إلى المساعدات الأوروبية من أجل الانتاج، وهو ما يفسر أن أغلب الأفلام التونسية هي إنتاج مشترك مع الأوروبيين، فعلى 12 فلما فرنسيا يوجد 8 أفلام كإنتاج مشترك مع التونسيين لكنه يبقى فلما فرنسا في آخر المطاف لأن فرنسا لها أغلبية نسبة الإنتاج وهذا شرطها، حتى أن الموزع أنور الطرابلسي قال في شهادته لعبد الفتاح بن شنة “يمكن اعتبار السينما التونسية سينما أوروبية أيضا”.
من ناحية أخرى، فإن إنتاج الفلم المغاربي يخضع إلى شرط قد يكون غير معلن بشكل مباشر لكنه موجود، وهو موضوع الفلم. وقد اثبت عبد الفتاح بن شنة أن أنواع المواضيع السينمائية المغاربية غالبا ما تدور حول الهجرة أو الهيمنة الذكورية في المجتمعات المغاربية أو الأمومة والأنوثة والجنس والجسد.
معضلة قاعات العرض
يعاني موزعو الأفلام المغاربية في فرنسا إشكالية كبرى مع المسؤولين عن قاعات العرض، فالعديد منهم إن لم يكن أغلبهم يطالبون بأموال خارج القانون لقبول عرض الفلم المغاربي. ولا يتوقف الأمر فقط عند ذلك الحد، بل إن العدد الكبير من الأفلام وتركيز عرضها لدى عارضين قليلين وتكاثر النسخ المعروضة أدى إلى تشتيت الجمهور وتقسيمه إلى مجموعات صغيرة الأمر أثر على نسبة الإقبال في القاعات وهو ما أدى إلى المطالبة بأموال أكثر قبيل العرض قد تصل إلى 2000 أو 3000 أورو. ولا يمكن للمسؤول عن العرض أن يقبل فلما دون تطمينات أولية على أن نسبة أرباحه سوف تكون وفيرة.
ثم إن العديد من المنتجين والمخرجين المغاربيين يعتبرون المهرجانات المعدة للسينما في الدول الأوروبية وخاصة في فرنسا فرصة ثمينة لعرض أفلامهم والحصول على إحصائيات المشاهدة التي من خلالها يمكن إقناع أصحاب القاعات من بعد لعرض أفلامهم وهو ما أكده المنتج والموزع الفرنسي من أصل جزائري جاك شوكرون.
حقوق الصورة @123RF
وسوم: تجارة الأفلام • سنيما • فرنسا • فيلم مغاربي