لا يمرُ أسبوع في ليبيا إلا ويجدُ حادث يطال إعلاميين بالقتل أو الخطف ووسائل إعلام بالغلق أو القصف. وأثرت تلك التعديات تأثيرا بالغا في قدرة هذا القطاع الحساس على القيام بدوره الإعلامي والتنويري، وهو دورٌ يتضاعف في مثل أوضاع الحرب الأهلية التي تمرُ بها ليبيا. وقد تدهورت الأوضاع السياسية والأمنية بشكل غير مسبوق في أعقاب اندلاع صراع دموي بين كتائب “فجر ليبيا” المصراتية (الغرب) وقوات “عملية الكرامة” التي يقودها الجنرال خليفة حفتر (الشرق) بعد الانتخابات البرلمانية في جويلية (يوليو) 2014، التي كانت التيارات الأصولية الخاسر الأكبر فيها.
ويمكن القول إن الإعلاميين الحقيقيين في ليبيا اليوم يتحركون حاملين أكفانهم على أكفهم، ويمشون على خيط رفيع، مُعلقين بين حياة الرعب أو الموت اغتيالا [1]. فبعدما وضع الليبيون آمالا كبيرة في ثورة 17 فبراير 2011، لبناء صحافة حرة ومستقلة تلعب دوراً مؤثرا في المجتمع، تبددت تلك الآمال مع بروز عديد التحديات في بيئة العمل الصحفي. فالأوضاع الأمنية الهشة والانقسام السياسي في البلاد أثرا بشكل رئيسي في أداء الصحفيين لأعمالهم، وزادا من تعرضهم للتضييق والانتهاكات الجسيمة.
أوضاع الإعلاميين: تهديدات وتصفيات
ما فتئ الإعلاميون في ليبيا يدفعون ضريبة باهظة منذ الاطاحة بالدكتاتور السابق معمر القذافي، ليس فقط بسبب غياب الأمن وتزايد الجرائم السياسية، التي تستهدف نشطاء من المجتمع المدني والقضاة والعسكريين فحسب، وإنما لأنهم مستهدفون بالاسم لحساسية دورهم الذي يتطلب التقيد بضوابط المهنة، وخاصة منهم من رفضوا الدوران في فلك الميليشات من هذا التيار أو ذاك. وفي الفترة الماضية اختطف ثمانية صحافيين وتعرض أحدهم للقتل على أيدي عناصر الميليشيات، من بينهم جمعة الأسطى مالك قناة “العاصمة” التي تعتبر الأكثر مشاهدة، ومدير قطاع الأخبار فيها محمد الهوني. كما اختُطف أيوب قويدر مصور قناة “ليبيا الدولية” (فضائية خاصة) أثناء تصويره الاشتباكات التي أعقبت إطلاق عملية “الكرامة” في حي الهواري جنوب بنغازي قبل أن يُخلى سبيله بعد تجريده من أجهزة التصوير التي كان يحملها لأداء عمله. وتعرض عبد الله دومة مصور وكالة الأنباء الفرنسية في بنغازي لدى عودته من العاصمة طرابلس لوابل من الرصاص لكنه لم يُصب بأذى. وفي اليوم نفسه أطلق صاروخان على مقر قناة “ليبيا الدولية” بعد استضافة الزعيم السابق لـ”مجلس ثوار ليبيا” عبد الله ناكر، وهو أحد قادة الميليشيات في منطقة الزنتان (غرب)، في حوار مباشر للتعليق على تداعيات العملية العسكرية التي أطلقها الجنرال خليفة حفتر ضد الميليشيات.
ومن أشهر النشطاء الذين كانوا ضحية للاغتيال بعد الثورة الإعلامي والحقوقي البارز عبد السلام المسماري الذي قُتل بالرصاص لدى مغادرته المسجد عقب صلاة الجمعة في بنغازي. وقبل تشييع المسماري في جنازة كبيرة هاجم متظاهرون غاضبون مقرات تابعة لـ”حزب العدالة والبناء” (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) باعتباره أحد الأحزاب الكبيرة المسيطرة على “المؤتمر الوطني العام” (برلمان انتقالي 2012-2014). وعلى الرغم من إعلان رئيس الحكومة السابق علي زيدان أن المؤتمر الوطني والحكومة اتخذا جميع الاجراءات اللازمة للوصول إلى الجناة ومرتكبي عمليات الاغتيال عموما، لم يُكشف النقاب حتى اليوم عن قتلة المسماري وعشرات الشخصيات العامة الأخرى. وطالت الاغتيالات ناشطات بارزات في مقدمتهن المحامية والناشطة سلوى بوقعيقيس وانتصار الحصايري. وفي هذا المعنى أكدت منظمة “مراسلون بلا حدود” (مقرها في باريس) أن انعدام الأمن الذي يسود في ليبيا أثر بشكل كبير في العملية الاعلامية. وتُذكرنا تلك الاغتيالات بجريمة اغتيال أعوان القذافي للصحفي الشاب ضيف الغزال في أحلك أيام الاستبداد، بعدما ضاق ذرعا بانتقاداته اللاذعة لنظامه.
وتنوعت طبيعة الانتهاكات التي تعرض لها الإعلاميون في ليبيا من الاعتداءات بالضرب في مظاهرات شعبية إلى الخطف والترهيب. وأفادت المنظمة المذكورة أن ثلاثة صحافيين عاملين بالتليفزيون الليبي تعرضوا للاختطاف لمدة أسبوعين على أيدي مجهولين، كما تعرض مراسلو التليفزيون الليبي وقناة “النبأ” إلى الشتم والطرد أثناء مظاهرات مناوئة للمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته. وتعرض أيضا مقر القناة الخاصة “العاصمة” للتفجير بعبوة ناسفة وللقصف بواسطة الـآر بي جي مرتين في أقل من أسبوع مما أدى إلى إتلاف جزء من المعدات والاستوديوات.
كما تم اختطاف خمسة موظفين عاملين في قناة “برقة” الفضائية في أغسطس (أوت) 2014 عند عودتهم من طبرق شرق البلاد بعد تغطية حفل تنصيب البرلمان الليبي الجديد. وكانت عناصر “قوة الردع الخاصة” الخاضعة لسيطرة الإسلامي عبد الرؤوف كاره حثت قبل يوم من الاختطاف العاملين في قناة “الوطنية” العمومية على الامتناع عن بث حفل تنصيب البرلمان الليبي الجديد. وأجبرت في سبيل ذلك كل موظفي القناة على مغادرة البناية، فيما طالب قائد الهجوم المسمى عبد العظيم الشهراني، حسب تصريحات عاملين في القناة، الموظفين بعدم تغطية أنشطة البرلمان الجديد بأي حال من الأحوال ودعم العملية المسماة “فجر ليبيا” التي أطلقتها مليشيات مصراتة بقصد السيطرة على مطار طرابلس وانتزاعه من قبضة مليشيات الزنتان.
وما فتئ خطرُ الاستهداف من قبل الميليشيات المسلحة يتهدد وسائل الإعلام الليبية منذ سقوط نظام القذافي حتى الآن، فهناك قنوات ليبية فضائية وأرضية كانت تنقل الأخبار من ليبيا إلى العالم، فإذ بها تُصبح اليوم هي الخبر، جراء الهجمات على مقراتها والاعتداءات على العاملين فيها. ويُعزى ذلك التحول إلى أن الميليشيات المتطرفة ترى أن بعض القنوات لا تخدم أجندتها وتغير من حساباتها على الأرض، فتقوم بقصفها وتدميرها[2]. وناشدت المنظمات الحقوقية والاتحاد الدولي للصحافيين السلطات الليبية تأمين الحماية للإعلاميين الذين يعانون من استهداف واضح من قبل الميليشيات المسلحة، والتي لم تقف عند حد الخطف، بل أزهقت أرواح العديد منهم. ومن بين الصحفيين المختطفين الصحافي التونسي سفيان الشورابي وزميله المصور الصحفي نذير القطاري، اللذان مازال الغموض يلف مصيرهما، على الرغم من الحملة الدولية للتضامن معهما والمطالبة بإخلاء سبيلهما.
[1] الإعلام الليبي بعد القذافي … طفرة تهددها انتهاكات الأمن وانقسامات السياسة، صحيفة “القدس العربي” بتاريخ 1 يوليو (جويلية) 2014
[2] ميليشيات ليبيا تستهدف القنوات المعادية لأجنداتها، موقع قناة “العربية” بتاريخ 28 أغسطس (أوت) 2014
يتبع
حقوق الصورة @أخبار ليبيا
وسوم: أخلاقيات المهنة الصحفية • المجلس الانتقالي الليبي • المرصد الأوروبي للصحافة • المرصد العربي للصحافة • تعذيب • حرية الصحافة • سفيان ونذير • سياسية • صحافة • ليبيا