“الصحفيون الأفارقة مدركون تماما لقوة مهنتهم. فعندما يحاول المسؤولون الدفع لهم بالمظاريف البنية المحشوة بالمال و عندما يضايقهم ضباط الشرطة و يقوم المنحرفون بتخويفهم، فهي أشياء تحدث لأنّ الإعلام لا يزال لديه القدرة علي تغيير الوضع الراهن و تحدّي المصالح الراسخة”. بهذه الكلمات لخصت آنيا شيفرين، مديرة برنامج التكنولوجيا والإعلام والاتصالات في جامعة كولومبيا، الدور الحاسم للصحافة الاستقصائية في المجتمعات الأفريقية الحديثة. فبعد نجاح كتابها ” Global Muckracking “الذي تناولت من خلاله مائة عام من الصحافة الإستقصائية حول العالم، أصدرت شيفرين مؤخرا كتابها الذي تناول أبرز التحقيقات الإستقصائية التي قام بها صحفيون أفارقة.
كتاب “African Muckracking – 75 Years of Investigative Journalism in Africa” يوثق تاريخ أفريقيا الحديثة، ويسلط الضوء على مواضيع مهمّة، منها انتهاكات العمل ووحشية الشرطة وحقوق المرأة والنضال من أجل الديمقراطية والاستقلال، فضلا عن قضايا الألغام وحقوق الإنسان، من خلال عدد من التقارير الإستقصائية المتميزة.
و يحتوي هذا الكتاب على تحقيقات مهمّة لأسماء كبيرة من الصحفيين الأفارقة الذين حققت قصصهم تأثيراً مهماً في بلدانهم الأصلية، نذكر منهم على سبيل المثال الصحفي الموزمبيقي كارلوس كاردوزو والصحفي الأنغولي رفائيل ماركس الذين نشرا تقارير عن الفساد والوحشية. نذكر أيضا الصحفي الاستقصائي هنري نكسومالو الذي ذهب متخفياً في جنوب أفريقيا ليكتب عن ظروف العمل الصعبة في مزارع البطاطس المشهورة في بيتال.
و في حوار للمرصد الأوروبي للصحافة، كشفت شيفرين عن المراحل الشاقّة لإعداد هذا الكتاب، وناقشت الوضع الحالي للصحافة الأفريقية وبعض خططها الحالية لدعم الصحفيين الإستقصائيين الأفارقة.
EJO: لماذا قررت التعمق في بحث الصحافة الاستقصائية في إفريقيا على وجه الخصوص؟ و هل هذا يرجع لنقص في الكتب و المنشورات حول هذا الموضوع؟
شيفرين: بعد إطلاق كتاب “Muckracking Global” ، بدأ البعض في العمل على نشر إصدارات مختلفة من الكتاب وقام أحدهم بإصدار نسخة نيوزلندية. و بعد ذلك اقترح أنطون هاربر من جامعة ويتس في جنوب أفريقيا أن نعمل أيضًا على إصدار كتاب عن الصحافة الإستقصائية في أفريقيا. ولكنه بدأ وظيفة جديدة ولم يتمكن من المضي قدمًا في الكتاب ، بينما كنت أعتقد أنها فكرة جيدة حقًا و تستحق التنفيذ.
للأسف لايعرف الكثير من الناس عن القصص الصحفية التي كتبها الأفارقة لأننا نميل أكثر إلى الدراسات الإعلامية والصحفية الغربية. و لذلك كان السبب الرئيسي وراء تحمّسي لإطلاق هذا الكتاب هو سدّ الفجوة حيث لم يقم أحد من قبل بإصدار مثل هذا الكتاب ولم تنشر أي مجموعة مماثلة من التقارير و التحقيقات الصحفية. و آمل أن يكون هذا الكتاب مرجعا للصحفيين الشباب والجامعات في أفريقيا وحول العالم.
EJO: في كتابك ، ذكرت أنك حاولت معارضة بعض الإدعاءات بأن الصحافة الإستقصائية الجيدة لا تنشأ في إفريقيا. ما أسباب وجود مثل هذه الافتراضات في المقام الأول؟
شيفرين: في الدول الغربية أو حتى في أي مكان في العالم ، يفترض الناس أن التقارير الاستقصائية بدأت في الغرب وأنّ الإستقصائيين الأوائل كانوا أمريكيين. و هنا يحاول الكتاب أن يشرح كيف قام الصحفيون في الدول الأخرى أيضا بتقديم هذا النوع من الصحافة بشكل جيد. وعلى صعيد آخر فمن حيث الجودة يثق الناس في المقام الأول بالصحافة التي تخرج من بلادهم. كما أن لدينا مؤسسات عالمية كبيرة مثل CNN و BBC و New York Times التي يعتمد عليها الناس للحصول على الأخبار الدولية. فحتى و لو كنا في عصر العولمة، مازال الناس يعتمدون على المراسلين المحليين. ولذلك أعتقد أن توظيف الصحفيين الأفارقة هو الطريقة الوحيدة لتمثيل الأفارقة في مجال الصحافة.
EJO: كيف تمت عملية جمع الواحد و أربعين تقريرًا استقصائيًا وتصنيفها إلى فئات؟
شيفرين: في الواقع ، استخدمت أساليب مختلفة للاختيار، وأخذت العديد من المعايير في الاعتبار. أردت حقا القصص التي كتبت من قبل صحفيين أفارقة وأردت أن أحقق تنوع لتمثيل العديد من البلدان الأفريقية، كما أردت أن تكون القصص مثيرة لاهتمام الجمهور الخارجي و التأكد من أننا نضمّ أهم الكتاب الأفارقة. و لكننا واجهنا بعض الصعوبات لأن أرشيف الكتب في أفريقيا ليس جيدا، فمن الممكن أن تجد أشخاصا يقولون أنّه سيتم إغلاق المكتبة لمدة عام تقريبًا أو نحو ذلك. وللتغلّب علي ذلك، قامت باحثة في نيويورك بالذهاب إلى المكتبات للعثور على بعض المقالات والكتب و لذلك كان علينا القيام ببعض “العمل المعملي” أيضًا.
EJO: يبدو هذا وكأنّه مهمة صعبة للغاية …
شيفرين: كان كتابًا مليئًا بالتحدي واستغرق الأمر عامان. ظللت أحاول الاتصال بأشخاص مختلفين وأرسلت بريدًا إلكترونيًا إلى حوالي 200 أو 300 شخصًا كي أطلب منهم المساهمة في الكتاب ولم يرد الكثير منهم بينما قال آخرون إنهم لا يستطيعون التفكير في قصص صحفية قديمة أو لا يستطيعون تسمية أهمّها. لذلك اتصلت بالعديد من المؤرخين الذين قاموا بقراءة كل هذه الأوراق كجزء من أبحاثهم واضطررت أيضاً إلى تغيير معاييري قليلاً عن طريق توسيع تعريف معني الصحافة الإفريقية مما مكنني من ضمّ المزيد من الأشخاص.
ومع ذلك، عندما اتصلت بمحررين لطلب مشاركتهم، ظلّ البعض يقول أنّ أفضل قصّة عن بلدهم كتبها صحفي بريطاني أو أمريكي، لكنّني لم أكن أريد ذلك، فقد كنت مصرّة على البحث عن القصص المهمّة التّي كتبها الأفارقة.
EJO: برأيك ، ما هي العوائق الرئيسية التي يواجهها الصحفيون الأفارقة في الوقت الحاضر. و ما الذي يعيق قصصهم من الوصول إلى جمهور أوسع؟
شيفرين: الأسباب وراء قلة الصحفيين الأفارقة الذين يعملون في الصحافة الاستقصائية هي نقص التدريب والتمويل والنموذج الاقتصادي والضغوط التي تفرضها الحكومات أو الشركات أو المحررين أو حتى الرقابة الذاتية. والسبب في عدم انتشار القصص هو أنّ العديد من وسائل الإعلام الغربية أو الشمالية تعتمد عادة على مراسليها ، وليس هناك الكثير من التغطية حول قضايا القارة الافريقيّة.
EJO: في الفصل التمهيدي للكتاب، أبرزت دور جماعات حقوق الإنسان في دعم الصحفيين الأفارقة عندما يتم إضطهادهم. هل يمكنك التحدث أكثر عن هذا وتقديم بعض الأمثلة؟
شيفرين: بسبب تراجع النموذج الاقتصادي الصحفي ، نشهد اليوم الكثير من التقارير التي تموّلها المؤسسات والمنظمات غير الربحية. فعلى سبيل المثال ، هناك الكثير من التقارير البيئية هذه الأيام، أو التقارير التي تقوم بها منظمات مثل هيومن رايتس ووتش، فدورهم ينمو بالتأكيد.
و يسلط الكتاب الضوء على مدى وجود روابط دائمة عبر التاريخ بين المنظمات غير الحكومية والصحفيين. أحد الأمثلة على ذلك هو تغطية قضايا الرق والاتجار في البشر في الكونغو. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك هنري ديفيد ، المراسل البريطاني الذي تلقى الأموال من منظمات غير حكومية للكتابة عن حقوق الإنسان. كما كتب ماثيو باورز من جامعة واشنطن الكثير عن دور منظمات حقوق الإنسان في دعم الصحافة الأفريقية.
EJO: دعينا ننتقل إلى النضال من أجل الديمقراطية في البلدان الأفريقية. في رأيك كيف تمكّن الصحفيون الاستقصائيون من الموازنة بين كونهم نشطاء و بين الإلتزام بمبادئ الحيادية و التوازن في تقاريرهم الصحفية؟
شيفرين: العديد من الصحافيين الأفارقة مرتاحون لكونهم نشطاء حيث يهدفون إلى جعل مجتمعهم أفضل ، والكتابة عن قضايا الصحة والفساد تساعدهم على تحقيق هذا الهدف. سوف تجد أيضا بعض المؤسسات التي تعتقد أنّ الصحافة يجب أن تغيّر العالم و لذلك تقوم بتمويل التقارير الصحفيّة التي تسعى جاهدة لجعل العالم مكانا أفضل. كما شهدنا من الناحية التاريخيّة العديد من الحالات التّي تعرّض فيها الصحفيون الأفارقة لمخاطر هائلة من أجل فضح الشرطة والوحشية العسكرية و المميّز في هذا الكتاب هو إظهار كيف تمّ قتل عدد كبير منهم في هذا النضال أو تمّ إيداعهم في السجون وكيف كانوا شجعان جدا في القيام بعملهم.
EJO: و لكن الوضع كان مختلفًا في تغطية قضايا الألغام كما يشير الكتاب ، فقد غلب نشر القصص عن المسؤولين الحكوميين وتم أخذ الصحفيين في رحلات رسمية لمشاهدة القصة الرسمية من جانب واحد لسنوات عديدة و لم يتم تضمين أصوات الأشخاص المتضررين من هذه الألغام. هل تحسنت تغطية الصحافة في هذا السياق؟
شيفرين: لقد تغيرت أشياء كثيرة. فلسنوات عديدة شاركت في معهد إدارة الموارد الطبيعية وساعدتهم على التخطيط لبرامج التدريب حول إفريقيا. و لقد كان عملهم جيدًا جدًا حيث عملوا مع العديد من الصحفيين الأفارقة لمساعدتهم في الكتابة حول صناعة النفط والتعدين وصناعة الغاز، وقد حقق هذا التدريب نتائج مثمرة. و أيضا تطور وسائل الإعلام الاجتماعية والتقنيات المرئية مكن المراسلين من العثور على مصادر جديدة والوصول إليها ونشر قصصهم الخاصة.
و علي الجانب الاخر، كانت المشاريع الكبرى مثل أوراق بنما جيدة أيضًا لأنها ساعدت في تدريب الصحفيين الأفارقة للعمل على قصص حقيقية. ومع ذلك يمثل هذا التطور تحدّ مستمر. ففي نيجيريا، على سبيل المثال، يوجد الكثير من الصحفيين الذين يكتبون عن الفساد، لكنّ الفساد ما زال موجودا. فإخبار الجمهور بالحقيقة لايمثل كل شئ ، ولكنه جزء مهم من الإجابة في معالجة مثل هذه القضايا.
EJO: من وجهة نظرك ، ما هي الموضوعات الصحفية الأكثر تميزا في الكتاب؟
شيفرين: من أبرز المواضيع الصحفية هي قصة الصحفية الأوغندية شيلا كاوامرا التّي كان زوجها عضوا في الجيش. و عندما شاهدت الإبادة الجماعية في رواندا، عادت إلى بلدها وأخبرت رئيس تحريرها أنّ العديد من الصحف الأفريقية لم يكن لديها المال اللازم لإيفاد مراسليها للتغطية و أقنعته بالعودة إلى رواندا لتكون صوتًا أفريقيًا في تغطية الأحداث.
وهناك قصة أخرى مثيرة للاهتمام تتعلق بمصور أفريقي يدعى محمد أمين، و الذي قام بالكثير من العمل عن المجاعة الإثيوبية و وصلت قصصه إلى جمهور دولي. و لذلك فقد أجرينا مقابلة مع ابنه سالم أمين وكتبنا مقالة في الكتاب عن عمل والده في إثيوبيا.
EJO: هل لديك أي خطط جديدة لدعم و ترويج الصحافة الاستقصائية في أفريقيا؟
شيفرين: سافرت إلى تنزانيا وكينيا هذا الشهر، حيث أن وضع الصحافة صعب للغاية هناك. آمل أن يكون التواجد هناك والتحدث عن الصحافة الإستقصائية بمثابة تذكير للحكومات والمؤسسات وحتى للجمهور العادي بقيمة الصحافة الجيّدة. فأنا أريد استخدام الكتاب لتذكير الناس بمدى أهمية الصحافة الاستقصائية وبعدد الصحافيين الذين يتعرضون للاعتداءات حول العالم.
ملاحظة: نشر هذا المقال أول مرّة بالنسخة الانقليزية للمرصد الأوروبي للصحافة وترجم من قبل رنا خالد
وسوم: أنا شيفرين • افريقيا • الصحافة الاستقصائية