أزمة الصحافة الورقية في لبنان: هل تجعل منه بلد الجريدة الواحدة ؟

6 February، 2017 • آخر المقالاتأبرز المواضيعأزمة الصحافة الورقية بالعالم العربياقتصاد الإعلامالصحافة المتخصصةنماذج اقتصاديّة • المحرر(ة)

 

إصدار قديم لجريدة "السفير" اللبنانية

إصدار قديم لجريدة “السفير” اللبنانية

تعتبر جريدة النهار والسفير من الصحف التي لها مكانة بارزة في تاريخ لبنان المعاصر “فالنهار” التي تأسست سنة 1933 قبل استقلال لبنان كان لها دور أساسي في معركة الاستقلال ومعركة ما بعد الاستقلال أما جريدة “السفير” التي تأسست 1974 و إلى غاية توقفها  في ديسمبر 2016 كانت “صوت من لا صوت له” لتكون كلّ منهما صرحا شاهدا على الحياة السياسية في لبنان.

تعيش الصحافة اللبنانية وخاصة الورقية منها أزمة غير مسبوقة تهدّد وجود عديد المؤسسات الإعلامية، و تفاقمت الأزمة في الفترة الأخيرة  بسبب تزامن عوامل عدّة منها ما هو اقتصادي و منها ما هو متعلق بإدارة المؤسسة وبنظام ملكيتها.

تراجع التمويل والإعلانات تبعته أزمة التوريث التي وضعت صحفا عريقة في أيدي أشخاص لا علاقة لهم بالإعلام وآخرها إطار قانوني هش لا يضمن حقوق الصحفيين بقدر ما يحمي حقوق المالكين.

تراجع التمويل السياسي و الأجنبي

من أهم أسباب أزمة الصحافة المكتوبة في لبنان تلك المرتبطة بتراجع التمويلات السياسية و الأجنبية وكذلك الإعلانات. فمداخيل الصحف الورقية اللبنانية قبل الأزمة لم تكن متأتية من بيع الجرائد أو من الاشتراكات، بل أساسا من الدعم التي تتلقاه بعض العناوين من رجال السياسة و الأحزاب مقابل دعمهم و التسويق لهم إعلاميا.

ويعود هذا التراجع إلى توقف شبه كامل للدعم المباشر الذي كانت تقدمه المملكة السعودية لعديد المؤسسات الإعلامية اللبنانية. ومعلوم أن السعودية تتكبّد خسائر مادية جراء التدخل العسكري في اليمن من جهة وتراجع سعر النفط من جهة أخرى. وأصبحت تبعا لذلك عديد الصحف اللبنانية عاجزة عن تحقيق الموازنة بين المداخيل والمصاريف وعاجزة عن توفير تكاليف الطباعة والتوزيع و حتى عن دفع رواتب العاملين بها.

أزمة التوريث

مثّل إقفال جريدة السفير لمالكها طلال سلمان صدمة للقطاع الصحافة المكتوبة في لبنان وهي التي كانت “صوت من لا صوت له” فكتب إلياس خوري بعدها “هل يمكن أن نتصوَّر لبنان بلا صحافة وهو البلد الذي كان رمزاً للنهضة الصحافية في العالم العربي؟”

ورغم انه بإغلاق السفير خسرت الصحافة المكتوبة أهم أعمدتها، لكن صاحبها جنّب هذا العنوان من أن يحل به ما حل بدار”الصياد” العملاقة التي تراجعت مبيعاتها بموت سعيد فريحه، ونفس المصير  الذي عاشته “الحوادث”و”الكفاح العربي” لتصبح العلاقة بين بعض الجرائد اللبنانية ومؤسسيها علاقة موت وحياة تولد الجريدة على يد صاحبها و تموت بموته، وكأننا بهذه الصحف لا قيمة لفريقها و صحفييها، فيخيّر الورثة التفويت في هذه الجرائد وكأّن رواج الجريدة كان مرتبطا بوجود مؤسسها وان هيئة التحرير عاجزة عن مواصلة إصدار هذه الجريدة بعد موت صاحبها.

وخير مثال على هذا ما حدث لمجموعة المؤسسات الإعلامية “ألف ليلة و ليلة” التي كانت تابعة لنقيب المحررين الراحل ملحم كرم  الذي  توفي في22 ماي 2010 الذي اختلف ورثة مؤسساته بعد وفاته وأقفلوها من دون دفع مستحقات العاملين والصحافيين وهو ما كان سببا في تشريدهم إلى حدّ أن أحد الصحفيين  وهو نصري العكاوي أقدم على الانتحار.

وهكذا فإن مشكلة الصحافة اللبنانية ليست فقط مرتبطة بتراجع التمويل السياسي و الأجنبي و انخفاض نسبة الإعلانات، وحسب مصدر من جريدة “النهار”  فإنّ الأزمة اكبر من ذلك فبعض العناوين التي  كتبت لها الحياة بعد موت مؤسسها انتقلت ملكيتها إلى ورثة يتعاملون معها كمصدر لدرّ الأموال من دون إدراك أهميتها ودورها أو حتى الشعور بالانتماء لها.

و كمثال على هذا ما أقدمت عليه نايلة تويني، رئيسة تحرير جريدة “النهار” التي أقرضت الجريدة مليوناً و700 ألف دولار من مالها الخاص لقاء فوائد حسب مقال لغسان سعود بعنوان “أزمة «النهار» آل تويني يأكلون الحصرم!” في موقع جريدة الأخبار الإلكترونية وأخر تحديث للمقال في 06 فيفري 2017.

اللوم لا يقع فقط على الورثة فنايلة تويني حفيدة مؤسس جريدة “النهار” لا علم لها بأسس الإعلام والصحافة وهي التي حال استلامها التركة سارعت إلى تنصيب نفسها رئيسة تحرير في حين انه حتى في عهد  المؤسس جبران تويني الجد (عام 1933) ثم غسان تويني ثم جبران تويني، كانت هذه المهمة توكل إلى رئيس تحرير، وطيلة تاريخ جريدة النهار لم يستلم رئاسة تحرير الجريدة أحد من مالكييها إلا في السبعة أشهر التي تلت اغتيال جبران التويني (12ديسمبر 2005)  حيث تولى غسان هذه المهمة ثم تراجع عنها و اكتفى بمهمة كتابة عمود في الجريدة .

لكن الواقع اليوم تغيّر ليقود التوريث في لبنان جرائد كانت منذ زمن قريب من أهم العناوين رواجا إلى المجهول وهو دفع إلى إيقاف صدور “السفير” فطلال سلمان أراد تجنّب لعبة التوريث، فأغلق صحيفته حتى يتفادى صراعا لاحقا بين ورثائه.

أزمة إطار قانوني

أزمة تمويل و أزمة توريث ليست هي فقط ما تعاني منه الصحافة المكتوبة في لبنان فمئات الصحافيين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل و المئات الآخرين يعيشون على وقع التهديد بنفس المصير في غياب هيكل مهني  يدافع عن حقوقهم ويضمن عدم ابتزازهم من أصحاب مؤسسات إعلامية يتصرفون فيها على أنها شركات تجارية ربحية.

فنقابة الصحافة مخصصة لحماية مصالح أصحاب الصحف ونقابة المحررين لا تزال مكبلة بإرث ملحم كرم الذي جعل منها فرعا تابعا أو نقابة إضافية لأصحاب الصحف تحمي حقوق المالكين على حساب حقوق الصحفيين.

وحسب نفس المصدر من جريدة النهار “التي تعاني أزمة مالية منذ سنتين وأكبر المتضررين منها هم الصحفيون الذين لم يتقاضوا مستحقاتهم منذ 14 شهرا و لا أمل في نيل هذه المستحقات إلا بتقديم الاستقالة ليتم تسريح الصحفيين دون صرف التعويضات المالية التي ينصّ عليها القانون”.

قد يكون الحل في إنقاذ ما تبقى من أمجاد الصحافة اللبنانية مراجعة التشريعات التي يجب أن تحمي حقوق الصحفيين بقدر ما تحمي مالكي المؤسسات الإعلامية ، كما انه يجب على الدولة تقدّيم مساعدات مباشرة وغير مباشرة لصحافتها كما هو الحال في بعض الدول وذلك لضمان استمرارية هذه المؤسسات التي تقدّم خدمة إعلامية ثمينة للمواطن.

و لا ينذر الوضع الصحفي في لبنان بالانفراج فحتى لو تم تجاوز الأزمة المالية فالجرائد لن تعود لسابق عهدها وهذا ليس بسبب المتداول وهو تراجع الصحافة الورقية إلى صالح الصحافة الالكترونية  بل جراء تفقير المحتوى الإعلامي الذي تقدمه هذه الصحف،  فعمليات التسريح  التي تطال القيادات الإعلامية  بتعلّة ارتفاع رواتبها مع مواصلة انتداب  عديمي الخبرة  وذوي الرواتب المنخفضة ستكون نتيجتها الحتمية انخفاض مستوى الأداء وتراجع قيمة المضمون لصحف صمدت أمام الأزمة المالية لكنها لن تصمد أمام عزوف القارئ اللبناني.

من يعرف تاريخ الصحافة في لبنان يعرف أن هذا البلد كان عاصمة للصحافة العربية، لكنه اليوم مهدّد بأن يكون “بلد الجريدة الوحيدة ” إذ تبدو جريدة “الأخبار” المقربة من “حزب الله” الجريدة الوحيدة التي لا تعيش أزمة مالية و القادرة على الصمود و الاستمرار .

حقوق الصورة @5min.pw

 

وسوم:

Send this to a friend