انطلق طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية في مداخلته أثناء مؤتمر ”الإعلام العربي ورهانات التغيير في ظل التحولات“ والتي حملت عنوان ”الصحافة في عالم متغير: أزمة ”مصير“ بالإشارة إلى أزمة ”عصر الورق والكتاب“ مؤكدا أن هذا العصر على وشك الانتهاء وأن كل فرد الآن أصبح قادرا على الاستغناء عن الكتاب والصحيفة بمجرد امتلاكه للتكنولوجيات الحديثة (كالكومبيوتر ومشتقاته) وهي الوسائل الأساسية للولوج إلى عالم الإنترنت، أين توجد كل الصحف تقريبا في شكلها الرقمي.
وربط سلمان تدريجيا في مداخلته بين أزمة الصحافة الورقية في الوطن العربي وبين أزمة العرب في ذاتهم وكانت الكلمة المفتاح في توصيف هذه الأزمة تتمثل في”انعدام السياسة في الوطن العربي جميعا، ومن ضمنه لبنان“. ويشير طلال سلمان في هذا السياق إلى أن الأنظمة العربية في مجملها تحيط نفسها بهالة من المستشارين والخبراء في السياسة وتسيّر دواليب الدولة دون أي انفتاح على الجماهير والمواطنين، بل واعتبار ”ممارسة المواطنين للسياسة رجس من عمل الشيطان وجب اجتنابه“، الأمر الذي أدى إلى استقالة الناس من الشأن العام وبالتالي موت الصحافة التي تتغذى على الجدل وصراع الأفكار وإيصال هموم الناس إلى السلطة.
ويشدد سلمان على أن ضعف إقبال الناس على الصحافة المكتوبة الورقية هو في جوهره ضعف في إقبالهم على السياسة وليس ضعفا في قدرتهم على القراءة، ويضيف ”… الخواء السياسي الذي نعيش فيه ويعيش فيه الكثير من الشعوب العربية لأسباب مفهومة أخطرها مناخات الحروب الأهلية السائدة في الكثير من الأقطار العربية، قريبها والبعيد، هو أخطر ما يهدد الصحافة العربية في لبنان وخارجه، قبل وسائط التواصل الاجتماعي“.
وبالرغم من استدراك طلال سلمان في مستوى آخر مشيرا إلى أن الصحافة الورقية تشهد أزمة في كافة أنحاء العالم وليس في لبنان أو في الوطن العربي فقط، إلا أنه يؤكد في ذات الحين أن استمرار الصحف وديمومتها هو قرار سياسي تقوم بتنفيذه الدولة عبر إمكانياتها ”فالدولة في مجتمعات راقية مثل فرنسا تدخلت ففرضت على وسائل التواصل الاجتماعي ـ بسبب المنافسة غير المتكافئة ـ أن تدفع للصحف مقابل ماديا أمام ما تأخذه كاملا أو ما يقتبس منها“. أما في المجال العربي فيحدث العكس، إذ يمكن أن يقتطف أي شخص أو مجموعة أي مضمون وينشره دون ذكر المصدر.
يضع طلال سلمان الحياة السياسية العربية في مواجهة مع الإعلام (خاصة في المثال اللبناني) وقد تخللت مداخلته في خصوص الصحافة الورقية تقييما أخلاقيا لموقف الساسة العرب من الصحف، وخلص إلى أن ”انقراض السياسة أدى إلى انقراض الصحافة“ وأعاد ذلك إلى العودة العارمة إلى منطق الطائفية والمذهبية وباقي أشكال ما قبل المدنية، وهذا ما يؤثر مباشرة على حياة الصحف بل ويقضي عليها كما قضى على منطق الدولة ”التي اندثرت مقطوعة الرأس“ على حد تعبيره (في استيحاء من التجربة اللبنانية التي بقيت دون رئيس مدة طويلة بسبب الخلافات بين الفرقاء والتي تخفي النزعة الطائفية في السياسة).
ولم يكن موقف طلال سلمان متشددا تجاه ”النيوميديا“ التي اجتاحت الجماهير العربية، بل أكد في آخر مداخلته على أن تلك الوسائل من كمبيوتر وهواتف جوالة وغيرها هي ”عامل تنشيط للعمل السياسي وليس العكس“ ضاربا مثال الانتخابات الرئاسية الأمريكية والانتخابات في أيرلندا والانتخابات البلدية في فرنسا. كما أكد سلمان أن ”الصحافة مخلوق سياسي“ واندثارها هو إعلان عن وفاة السياسة.
وسوم: أزمة الصحافة الورقية • الصحافة الورفية • طلال سلمان • لبنان