نزع الشرعية عن وسائل الاعلام… أسلوب جديد لضرب حرية الصحافة

15 August، 2018 • آخر المقالاتأبرز المواضيعالأخلاقيات والجودةالإعلام والسياسةالرقابةحرية الصحافة • المحرر(ة)

حقوق الصورة @مدار_الساعة

تعرف مؤشرات الثقة العامة في مصداقية الصحافة تراجعا كبيرا نظرا للضغوط المسلطة على وسائل الاعلام في عدة مناطق من العالم، وذلك انطلاقا من فرض الحكومات لنموذج معين على وسائل الاعلام العمومية او من خلال تعطيل منح تراخيص البث الإذاعي والتلفزي او منحها وفقا للمصالح السياسية والتجارية او من خلال تأليب الرأي العام على الصحافة والصحفيين بهدف “نزع الشرعية عن وسائل الاعلام ” . هذا ما كشفه تقرير اليونسكو بشأن “الاتجاهات العالميّة على صعيد حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام 2017/ 2018“.

يقدّم هذا التقرير تحليلا نقديّا للاتجاهات الجديدة في مجالات حريّة الإعلام والتعدديّة والاستقلالية، بالإضافة إلى سلامة الصحفيّين. وركزّت هذه النسخة على موضوع المساواة بين الجنسين في مجال الإعلام، كما انها توفّر رؤية عالمية تقدّم مورداً أساسياً للدول الأعضاء لدى اليونسكو، والمنظمات الدولية، وهيئات المجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية، والأفراد في سعيهم إلى فهم تغيّر المشهد العالمي في مجال وسائل الإعلام.

بالعودة الى تقرير اليونسكو فان “الاتجاهات في استقلال وسائل الاعلام” يمكن تقسيمها الي عدة محاور، منها التأثيرات السياسية والاقتصادية في أنظمة الاعلام والتي في اغلب الأحيان تعتمد اسلوبين، أولهما السعي الى الاستيلاء على وسائل الاعلام خاصة التي قد تعترضها مشاكل مالية عقب التغيرات الأخيرة التي أدت إلى “اضطراب في أساليب الإنتاج الإعلامي القديمة ” مع تقدّم وسائل الاعلام على الانترنيت.

اما بالنسبة للأسلوب الثاني فيعتمد على نزع الشرعية عن وسائل الاعلام من خلال سعي الجهات الفاعلة الحكومية والجهات الفاعلة  المالية في عملية هجوم ممنهجة على وسائل الاعلام عن طريق التقليل من شأنها او وصفها  بأوصاف عدائية مثل “العدو” وهو ما يخلق صورة في مخيلة المتلقي بأنّ وسائل الاعلام هدفها احداث الشوشرة وتعطيل عمل السلطات الرسمية وتقويض الامن العام. وحسب تقرير اليونسكو فانّ هذه الممارسات كانت منخفضة نسبيا في كل من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، لكن مؤخرا تم رصد عدة أمثلة لسعي السلط الرسمية والفاعلة  في هذه المناطق الى نزع الشرعية عن وسائل الاعلام، و ما دفع بمنظمة اليونسكو الى دق ناقوس الخطر هو انتشار هذه الممارسات في دول  “ذات الديمقراطيات الراسخة” وهو ما فتح المجال امام “القادة في بلدان أخرى لتبني نفس الخطاب” واتباع نفس السلوك بعد الحصول على “صفة الشرعية “.

ينتشر خطاب “نزع الشرعية عن وسائل الاعلام” على طول السنة لكنه يعرف أوجه أثناء الانتخابات، فخلال هذه الفترات يصبح هذا الخطاب “قاعدة …حتى في البلدان الديمقراطية” وهو ما يجعل هذا الخطاب وهذا الأسلوب جزءا من الاتصال المنتظم مع الجمهور باعتباره “شكل خفي وفعال من اشكال الدعاية”.

يؤدي أسلوب “نزع الشرعية عن وسائل الاعلام” الى تقليل ثقة الجمهور في وسائل الاعلام وتجيش العامة ضدّ الصحفيين وبالتالي يحدّ من نجاعة وسائل الاعلام في مراقبة أعمال الحكومة والسياسيين والجهات الفاعلة فهي عوض التركيز على نقل المعلومات وتحليلها تتجه لتلميع صورتها وصورة العاملين فيها فالتأثيرات السلبية لهذا الأسلوب تنعكس بالأساس على أداء الصحفيين وعملهم وعلى سلامتهم الشخصية، فالخطاب المشحون بالعنف والكراهية والمسلط على وسائل الاعلام يؤدي الى “تشجيع الهجمات التي ترتكبها فصائل أخرى في المجتمع على وسائل الاعلام”.

لا تقتصر مخلفات “نزع الشرعية عن وسائل الاعلام ” وتأثيراتها السلبية على قطاع الاعلام فقط، فهذه الممارسات تؤدي بالضرورة إلى “إسكات المجموعات المهمّشة” لتصبح المنابر الإعلامية حكرا على أصحاب النفوذ وتفتح لهم المجال لتمرير النموذج الذي يرغبون فيه دون الخوف من مساءلة الصحافة، وهي أيضا تضعف الثقة في الصحافة المهنية فتجردها من مصداقيتها لدى العامة وتجعل المؤسسات الإعلامية “اكثر عرضة للتهديدات القانونية والتقاضي”، إلى جانب “التشهير الجنائي” الذي تتعرض له المؤسسة الإعلامية بما تؤثّر أيضا على المعلنين، فرجال الاعمال والمؤسسات الاقتصادية لن تعلن في قناة “فاقدة للشرعية” ومغضوب عليها من قبل الأطراف الحاكمة والنافذة. ويكلّف هذا العزوف المؤسسات الإعلامية أموالا وخسائر مرتفعة تضطرها لزيادة مصاريفها من خلال تحمّل اتعاب التقاضي مقابل تراجع مداخيل الاشهار، وبالتالي ترتفع احتمالية مرور هذه المؤسسات بضائقات مالية يدفعها للاندماج مع مؤسسات أخرى في أحسن الأحوال، لكن أيضا وفي كثير من الأحيان تقودها الى اعلان الافلاس، حسب ما رصده تقرير اليونسكو الذي أكّد ان وسائل الاعلام المستقلة أصبحت تواجه مخاوف جدية متعلقة بنقص المعلنين والمستثمرين.

نزع الشرعية عن وسائل الاعلام لا يفضي فقط إلى “الهجوم العام على وسائل الاعلام ” بل إنّه في عدة دول مهّد إلى إتخاذ تدابير “تجعل الصحفيين أكثر عرضة للمسؤولية” وذلك من خلال رفع قضايا ضدّهم او ضدّ مؤسساتهم الإعلامية بتعلّة نشر اسرار الدولة، كما أنه في عدد من الدول سنّت قوانين تجبر الصحفيين على الإفصاح عن مصادرهم، هو ما يفقد الصحفي المصداقية عند مصادره لكنه أيضا في جلّ الأحيان يضع سلامته الشخصية محلّ تهديد وسلامة المبلغين والمتعاملين معه أيضا.

على جانب حرية الصحافة يؤدي نزع الشرعية والذي أصبح يتم “بمنهجية منظمة وبموافقة الدولة، الى عملية اسكات انتقائية” وبالتالي تتمكن الحكومات المعارضة لحرية التعبير من قمع كل الأصوات المعارضة لها، سواء كانت أحزاب سياسية او أقليات عرقية، وتقود هذه العملية في بعض الدول الى عملية بسط نفوذ كامل على مؤسسات إعلامية حيث “أغلقت ممتلكات إعلامية عمومية او بيعت الى أطراف لها علاقات بالحكومة”

ورغم خطورة هذه الإجراءات وتأثيراتها على حرية الصحافة وسلامة الصحفيين إلا انها في أغلب الأحيان يتمّ تبرريها من خلال “التغيرات القانونية” ومنحها الشرعية القانونية وهو ما “يجعل مؤسسات الأخبار محفوفة أكثر بالمخاطر” ويضع حيات الصحفيين محلّ تهديد جدّي.

اقرأ أيضا : اليونسكو : الاتجاهات العالميّة لحرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام

وسوم:

Send this to a friend