هل نجح الإعلام التونسي في إختبار الحريّة؟

25 May، 2016 • آخر المقالاتأبرز المواضيعالإعلام والسياسةالرقابةحرية الصحافة • المحرر(ة)

Article 2

الصورة الخارجية للكتاب

شهدت تونس ما بعد ثورة 14 جانفي/ يناير 2011 إعادة تشكل للفضاء الإعلامي التونسي وحضورا لافتا للجماعات الإسلاميّة على مواقع الواب ولاسيما مواقع التواصل الإجتماعي.
ولا يعتبر استعمال هذه الجماعات للانترنت حديث النشأة بل يعود ذلك إلى تاريخ ما قبل الثورة التونسيّة. هذا ما تطرقت إليه كايلا برانسون، باحثة في المجموعة الاستشارية للمخاطر بجامعة كامبريدج في ورقتها العلمية التي نشرت سنة 2015 بكتاب جماعي تحت عنوان “الإعلام في مراحل الإنتقال السياسي: الحالة التونسيّة نموذجا” .
وأكدت الكاتبة استعمال هذه الجماعات الإسلامية لمواقع التواصل الاجتماعي كفضاء بديل للطعن في مضامين وسائل الإعلام الرسميّة بتونس. منذ ذلك أنّ حركة أنصار الشريعة السلفية المحضورة في تونس تستعمل الانترنت كوسيلة للدعاية لمشروعها من خلال إجراء « مقابلات شبه منظمة » مع ناشطين على شبكة الانترنت ومدونين ومحترفين من الإسلاميين والإعلاميين.
ومن خلال ورقة علمية أخرى، تطرق الأستاذ أليكس أرتود دلافيريير من قسم التربية والتعليم بجامعة كامبريدج والأستاذ نارسيو فالينا رودريجيز إلى أهميّة النشر عبر الواب بتونس من الناحية القانونية والمؤسساتيّة والهيكليّة. وقد أكدا الباحثان أنّ مرحلة الانتقال السياسي قد ساهمت في إعادة صياغة القوانين التّي تحدّ من حريّة استعمال الانترنت ومراجعة الشراكة بين القطاع العام والخاص لمزودي خدمة الانترنت.
وبعد أن كان الإعلام بتونس قبل 2011 خاضعا لسلطة الدولة وتحت رقابتها، أصبح حرّا ومستقلا بعد الثورة. وهو ما أفضى إلى وجود ممارسات جديدة للعمل الصحفي ونشأة هيئات غير مسبوقة لتعديل القطاع على غرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا). وكما ذكرت د.روكسان فارمان فارمياين في مقدمّة هذا الكتاب أنّ من أساسيات مشروع الديمقراطية بتونس “بناء إعلام متحرّر (…) يصبّ في قلب مجتمع إرتبط فيه الإعلام والحزبيّة إرتباطا مسموما”.

من الفوضى إلى تنظيم الحريّة

وفيما يتعلّق بعلاقة الدولة بالإعلام، تطرق البورفيسر جورج جوفي من قسم الدراسات السياسيّة والدوليّة بجامعة كامبريدج إلى الأسلوب الذي يتفاعل به الإعلام مع الثقافة العامة. وبيّن الباحث أنّ الحكومة وجدت صعوبة في التكيّف مع الوضع الجديد. فرغم المناخ الذي يوحي بحرية الرأي والتعبير، إلا أنّ علاقة الحكومة بالإعلام كانت محفوفة بالصراعات. وذكّر الباحث أنّ تونس تتمتع بحريّة جزئية في مجال الإعلام، حسب تقريري مؤسسة فريدوم هاوس عن 2012 و 2013. وهو ما أكده أيضا مركز تونس لحريّة الصحافة في تقاريره الشهريّة حول الإنتهاكات الجسديّة والتضييقات المهنيّة بحقّ الصحفيين. هذا إضافة إلى تأخر تنفيذ المرسومين 115 و 116 الذان يمثلان الإطار القانوني الجديد لحريّة الإعلام بتونس.
أمّا فيما يتعلّق بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري فقد تولت رئاسة الجمهورية تعيين أعضائها طبقا لمقتضيات المرسوم 116. وقد باشرت الهيئة المكونة من تسعة أعضاء مهامها بعد تنصيبها بتاريخ 3 ماي/ مايو 2013.
وانتقدت هيئات الإعلام بتونس بما في ذلك نقابة الصحفيين تدخل الحكومة في تعيين مديري وسائل الإعلام العموميّة دون إستشارة المنظمات المهنيّة المعنيّة بما يمّثل تعديّا على مشمولات الهيئة المستقلّة للاتصال السمعي البصري. وأشار الباحث في آخر ورقته العلمية إلى أنّ الأمر مرتبط بعقلية سائدة مهما اختلف الحاكم.
وفي ورقة بحثية أخرى تعرضت الدكتورة روكسان فارمان من قسم الدراسات السياسية والدولية بجامعة كامبريدج، إلى حالات التنافس على السيطرة التنظيمية والممارسات الحزبيّة وموارد الإعلام التي تزداد حدّتها مع وجود ممارسات وهيئات جديدة تعمل على تحييد تأثير الدولة. كما أشارت الباحثة إلى تطور عمليّة السيطرة على الإعلام خلال السنوات الثلاثة الماضية بتونس، بإعتبار أنّ السيطرة على وسائل الإعلام هي حلقة من المناورة السياسية وممارسة للضغط الاجتماعيّ. ووصفت الإعلام ما بعد الثورة بـ “حريّة في ثوب فوضى” مع تغير القيادات بوسائل الإعلام العموميّة وتغيّر لهجة التغطية الإعلاميّة وتجاوز الخطوط الحمراء القديمة، وهذا لغياب التجربة الصحفيّة في مناخ ديمقراطي.
أمّا بخصوص دور المجتمع المدني في بناء إعلام ديمقراطي، فهو المبحث الذي تناولته سمر سمير المزغني، باحثة بكلية الدراسات الآسيوية والشرق الأوسط بجامعة كامبريدج، مبرزة دور إذاعات الواب المحليّة التي أطلقتها منظمات غير حكوميّة، لتدعيم مشاركة الشباب في تطوير قدراتهم كمنتجين و مستهلكيم وأصحاب خبرات. وهو ما من شأنه أن يساهم في تدعيم مشاركة المواطن في الشأن العامّ من خلال منصات إعلام القرب(proximity media).
قيمة هذا الكتاب في كونه حصيلة دراسات علميّة حول الإعلام التونسي خلال مرحلة الانتقال السياسي التي تعيشها تونس منذ 2011 ويقدم المشهد الإعلامي بتونس قبل الثورة وإثرها بشتّى تجلياتها. وقد صدر هذا الكتاب أواخر سنة 2015، عن مركز الجزيرة للدراسات بقطر وجامعة كامبريدج البريطانيّة.

حقوق الصورة:

Flicker، مركز الجزيرة للدراسات

وسوم:

Send this to a friend