الجزائر: محاولات للسيطرة على وسائل الإعلام المستقلة

26 July، 2016 • آخر المقالاتأبرز المواضيعالإعلام والسياسةالرقابةحرية الصحافة • المحرر(ة)

Journalistes-Algeriens_Art_Kechana

مظاهرة جريدة الخبر الجزائرية

تصف منظمات دولية معنية بالدفاع عن حرية الصحافة الوضع الإعلامي الراهن في الجزائر بـ”الانزلاق المتسارع نحو تشديد الاجراءات ضد الصحافيين وتكثيف الضغوط على وسائل الاعلام المستقلة“.

وأتت بيانات المنظمات، ومن بينها الاتحاد الدولي للصحفيين IFJ ومراسلون بلا حدود RSF في أعقاب اعتقال مهدي بن عيسى مدير القناة التليفزيونية المستقلة ”كي بي سي“ KBC ورياض حرتوف مدير إنتاج المسلسل التليفزيوني الرمضاني ”ناس سطح“.

واللافت أن الاعتقال تم في موقع تصوير حلقة من حلقات المسلسل الذي بدأ بثهُ مع بداية شهر رمضان، ودار الاستنطاق حول ملابسات حصول القناة على إجازة التصوير، علما أن مديرة تراخيص التصوير في وزارة الثقافة نورة نجَاي تعرضت هي الأخرى للإعتقال في اليوم نفسه.

ضغوط السلطة

ولا يمكن فصل هذه الإجراءات عن الضغوط المسلطة على صحيفة ”الخبر“ الخاصة التي تنتمي لها القناة، والتي استدعت الشرطة رئيس مجلس إدارتها زهر الدين السماتي لاستنطاقه. وتتعرض مجموعة ”الخبر“، وهي المجموعة الاعلامية الأولى في البلد، للابتزاز على يد مجموعة اقتصادية مدفوعة من السلطات بهدف شرائها، ما اعتبر محاولة للسيطرة عليها وتغيير اتجاهها.

أكثر من ذلك تعرض المقر الجديد لصحيفة ”الوطن“ اليومية الناطقة بالفرنسية إلى حصار أمني لدى نقل المكاتب من المبنى القديم إلى الجديد، من دون إعطاء أي تبرير لمديرها عمر بلهويشات.

جرت هذه التطورات على خلفية قرار السلطات توجيه ”إنذار أخير“ إلى القنوات التليفزيونية الخاصة لتسوية وضعها القانوني، ما اعتُبر تمهيدا لغلقها، ويتعلق الأمر بنحو خمسين قناة لم تحصل على تراخيص من السلطات ما يجعلها مرشحة للتعرض لما تعرضت له قناتا ”الأطلس“ و”الوطن“ اللتان أغلقتا في العامين الأخيرين.

وبحسب وزير الاعلام حميد قرين لم تحصل على إجازة العمل القانونية سوى خمس قنوات هي ”الشروق“ و”النهار“ و”الجزائرية“ و”الجزائر“ و”هوغار“.

واللافتُ أن السلطات تُعامل جميع القنوات، إن كانت موالية أم معارضة، بوصفها قنوات أجنبية تعمل من خلال مكاتب في الجزائر، وهذا يعني أن مركزها الرئيسي يقع في أوروبا أو الأردن بينما لا تملك في بلدها الجزائر سوى مكتب فرعي، مع أن العاملين فيها جزائريون وبرامجها موجهة إلى الجمهور الجزائري، وغالبية برامجها يتم إنتاجها في البلد.

سلطة ضبط الإعلام السمعي البصري

وفي الأيام الأخيرة تم الإعلان عن تشكيل ”سلطة ضبط الإعلام السمعي البصري“ التي نصَب رئيس الحكومة عبد المالك سلال رئيسها وأعضاءها التسعة يوم 20 يونيو/حزيران الجاري.

واعتبر رئيس الحكومة أن السلطة ”هيئةٌ مستقلةٌ لا تُؤطر (تضبط) نشاطها سوى أحكام القانون“، وأكد أن العمل المُنتظر من أعضائها هو عمل فاعل ”للسهر على حرية النشاط (الإعلامي) السمعي البصري والموضوعية والحياد والشفافية وترقية اللغات الوطنية واحترام قيم ومبادئ المجتمع الجزائري“.

وكان الصحفيون والسياسيون المعارضون حذروا منذ سنة 2014 لدى تسمية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خمسة أعضاء في هيئة السلطة من سيطرة رئاسة الجمهورية على الهيئة وتوجيه أعمالها على نحو يُفقدُها استقلاليتها.

وكان البرلمان الجزائري أقر في تلك السنة القانون المتعلق بإنشاء هيئة لتسيير الإعلام المرئي والإذاعي مؤلفة من تسعة أعضاء، خمسة منهم يختارهم رئيس الجمهورية وعضوان اثنان غير برلمانيين يقترحهما رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية) وعضوان آخران غير برلمانيين يُسمِيهما رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى).

وانتقد الإعلاميون بشدة في حينه بنود القانون، وخاصة تغييب أهل المهنة وتجاهل الصحفيين، وهو ما حاولت الحكومة تلافيه أخيرا لدى تسمية الأعضاء، إذ أن ثلاثة منهم صحافيون، لكنهم يُمثلون أقلية داخل الهيئة.

وبات واضحا أن السلطات تتجه إلى استخدام ”سلطة ضبط الإعلام السمعي البصري“ وسيلة لتمرير قراراتها التي تستهدف تعطيل القنوات ”المُتمردة“ أو إقفالها، والأرجح أن القنوات الخمسين التي توعدتها الحكومة بالإغلاق سيوقف بثها بناء على قرارات من سلطة الاعلام السمعي البصري.

قوانين في وجه الصحفيين 

وكان رئيس الحكومة سلال هدد وتوعد خلال حفل تنصيب أعضاء سلطة ضبط السمعي البصري بأن تتم ”مواجهة ومعاقبة كل أفعال القذف والابتزاز ونداءات العنف والفتنة بكل حزم“، وزاد بلهجة طغى عليها التهديد والوعيد ”سيطبق القانون بكل صرامة لحماية حقوق الصحفيين والفنانين الذين يعملون أو سيعملون في هذا المجال ولضمان احترام التشريع والتنظيم الساري وللتدخل في حال المساس بالذاكرة الجماعية أو المرجعية الدينية أو الهوية الوطنية أو توازن المجتمع الجزائري“.

ويستبطن هذا الخطاب مجموعة من الذرائع التي تحتفظ بها السلطات في جعبتها لاتخاذها مُبررا لإجراءاتها التضييقية في حق وسائل الإعلام المستقلة.

ويستدل المُحللون على ذلك بأن الذريعة التي استندت عليها السلطات لوقف القناة التليفزيونية المستقلة ”كي بي سي“ KBC عن البث هي استخدام ستوديو  مُقفل منذ 2014، وهي حجة واهية مثل الحجج الأخرى التي تستخدم لإخضاع قنوات خاصة مماثلة كلما انتقدت مواقف السلطات.

وتتنزل هذه الحملة على الصحافيين ووسائل الاعلام المستقلة في سياق الاستعداد لمرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة (74 عاما) وما تقتضيه من سيطرة كاملة على وسائل الإعلام الخاصة. وتُخيم على الحياة السياسية في الجزائر أجواء الصراع بين جناحين في الدولة على خلافة بوتفليقة المُصاب بشلل نصفي، على رغم أن أصداء الربيع العربي وصلت إلى أوساط الشباب الجزائري، وخاصة الخريجين العاطلين عن العمل، وبالأخص في المحافظات التي تقع في المثلث النفطي، والتي لا تجد فرص العمل ولا الرعاية الكافية من الدولة.

وبين محاولات السلطة إدخال الإعلام المستقل إلى بيت الطاعة ونزوع الإعلاميين إلى الحرية والنقد والدعوة للتغيير، ستستمرُ المراوحة بين الشد والجذب، في ضوء تبدُل موازين القوى بين الجانبين، غير أن الهاجس الرئيسي في التعاطي مع الأصوات الإعلامية سيبقى ضمان استمرار سيطرة الحكم على المحطات التليفزيونية والصحف والمواقع الالكترونية، لكن بثوب قانوني جديد.

أكثر من ذلك، أبصرت الجزائر مؤخرا حدثا غير مسبوق تمثل في قطع الانترنت عن البلد بمناسبة إجراء اختبارات الثانوية العامة في يونيو/حزيران الجاري، بدعوى الخوف من تسريب مواضيع الإختبارات، ما تسبب بأضرار كبيرة للشركات المتعاملة بواسطة الشبكة العنكبوتية وللإقتصاد عموما، وهي خسائر لم يتم تقديرها حتى كتابة هذه السطور.

ومع ذلك استطاع كثير من الشباب الالتفاف على إجراءات القطع واستأنفوا التواصل عبر مسارات جانبية، ما يؤكد أن محاصرة الإعلام عملٌ عبثيٌ لا يمكن أن ينجح في ظل العولمة، مثلما كان فعالا على أيام الأنظمة الاستبدادية، قبلها.

ملاحظة: نشر هذا المقال بموقع مركز الدوحة لحرية الاعلام

وسوم:

Send this to a friend