منتدى روما حول المؤسسات الإعلامية: وسائل الإعلام في العاصفة

8 January، 2018 • آخر المقالاتأبرز المواضيعاقتصاد الإعلامالإعلام الرقمينماذج اقتصاديّة • المحرر(ة)

حقوق الصورة @Rome_Media

« No order, new media, new threats »، بهذه الكلمات المقتضبة اختزلت مونيكا ماجيوني، رئيسة قنوات التلفزة العمومية الإيطالية “RAI” المحاور التي تركزت حولها مداولات منتدى وسائل الإعلام، المنتظم في العاصمة الإيطالية روما بمناسبة الندوة السنوية حول الحوار المتوسطي في دورتها الثالثة ” MED 2017″.

وقد جمع هذا اللقاء نحو عشرين متدخّلا من ضفتي المتوسط تمّت دعوتهم لإلقاء الضوء من وجهات نظر متقاطعة حول التحولات الجارية بشأن السلوكيات الإعلامية والتجارب التي عرفتها مختلف بلدان المتوسط في مواجهة تلك المستجدات.

 التهديدات الجديدة

تمخضت ثورات “الربيع العربي” من وجهة نظر روكسان فرمنفارمايين، الأستاذة بجامعة كمبريدج البريطانية، عن “تغيير البراديغم” وذلك في إطار تقديمها للنتائج الأولية لدراسة مقارنة أنجزتها سنة 2013 في ثلاثة بلدان تنتمي إلى الضفة الجنوبية للمتوسط (المغرب وتونس وتركيا).

الملامح الجديدة للرقابة 

ساد الاعتقاد عقب سقوط الأنظمة الاستبدادية بأن حرية التعبير باتت مكسبا، غير أن الدراسة أثبتت عكس ما كان يعتقد على نطاق واسع وكشفت النقاب عن ملامح جديدة اتخذتها الرقابة وعددها ثلاثة:

*المسائل المتعلقة بالديانة الإسلامية

*القيم والأخلاق العامة

*النظام العام والأمن العمومي ومكافحة الإرهاب

اكتساح شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي

الحكومات هي الآن بصدد إعادة تملك هذه الشبكات واستغلالها لصالحها قصد المزيد من مراقبة ما يعتمل صلب المجتمع ونشر أخبار ملفّقة.

ويوجد مثال حي يعكس مفارقة لافتة: فقد شوهدت نساء أدلين بتصريحات جدّ محافظة (بشأن مكانة المرأة في المجتمع)، من خلال منصات عصرية للغاية على (المواقع الإلكترونية والاجتماعية).

*الاتجاه نحو المزيد من التركيز صلب وسائل الإعلام أو ما يعرف اصطلاحا “بظاهرة برلسكوني”: هذا المنحى لوحظ في الدول الثلاث، لكن بدرجات متفاوتة من دولة إلى أخرى

*تزايد الحراك الرقمي للشباب والانقسام الملحوظ صلب الجمهور المتقبّل:تختار كل شريحة من هذا الجمهور الإبحار في المواقع القريبة من قناعاتها لاعتبارات عاطفية واجتماعية، بفعل تعدّد المنصات الرقمية مع صرف النظر عن وسائل الإعلام ذات المضمون الجماهيري

*ظهور القنوات الإسلامية: شهدت هذه القنوات مآلات مختلفة حسب هذه الدراسة وهي التي أنشأت إبان تولي الأحزاب الإسلامية السلطة في الدول الثلاث.

*القطيعة ومحاولات التأقلم: يتعين على وسائل الإعلام في جنوب المتوسط من هنا فصاعدا مواجهة تحدّ مزدوج: الرقابة والشبكة العنكبوتية.  وقد لاحظت المراسلة الدبلوماسية في صحيفة “حريات” التركية “إيبيك يزداني” بأسف شديد ما وصفته بالنتيجة الأقل بروزا ولكنها الأكثر خطورة وهي الرقابة الذاتية التي أصبح يتوخاها الصحافيون في نشاطهم المهني، مؤكدة بذلك واقع الرقابة المفروضة في تركيا من قبل السلطات.

وذكّر الإيراني عباس عسلاني، المدير العام لدائرة السياسة الدولية في وكالة “تسنيم” للأنباء الإيرانية  من جهته بأن الإصلاحيين لم يعد لهم حضور في وسائل الإعلام السائدة في إيران، كما أنهم لم يستطيعوا تمرير موادهم الإعلامية سوى من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.

وتحدثّ عبد اللطيف المنياوي، مدير الصحيفة اليومية “المصري اليوم” عن بسط السلطات سيطرتها على القنوات التلفزية الخاصة، وهو أمر جعل المستثمرين يصرفون النظر عن توجيه تمويلاتهم نحو صناعة بعث وسائل الإعلام المرئية، إذ صفة مالك  قناة خاصة لم تعد توفّر حماية لصاحبها.

وأطنبت منى مطيبع، رئيسة تحرير في وكالة تونس إفريقيا للأنباء “وات” في تفسير مدى الصعوبات التي تعترض وسيلة إعلام مملوكة للدولة كي تصبح “مرفقا عاما” في المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد التونسية منذ 2011، وأكدّت أن قطاع الإعلام العمومي يظل هاما ومؤثرا في الوقت ذاته…

وقد جاءت مداخلات المشاركين في الندوة متباينة في تعقيبهم على التغييرات الجذرية التي أفرزتها شبكة الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي بالرغم من أنهم يتقاسمون هذا المشغل نفسه.

وترى إيمان صبّاح، مراسلة التلفزة العمومية الإيطالية “RAI” أن المنافسة التي تفرضها “مواقع التواصل الاجتماعي” هي بالتأكيد حقيقية ، إذ أن “السياسيين الإيطاليين حسب تأكيدها أصبحوا يفضّلون مخاطبة الجمهور مباشرة عبر تويتر دون التواصل معنا نحن، معشر القائمين على وسائل الإعلام التقليدية”.

واعتبر المدير الجديد لاتحاد إذاعات الدول الأوروبية ” EBU ” نوال كويران أنه يتعين دقّ ناقوس الخطر، ذلك أن اثنتين أو ثلاث منصات فقط من “شبكات التواصل الاجتماعي” تستأثر لوحدها باستقطاب اهتمام المبحرين على الشبكة بدرجة أصبح معها هذا التأثير مثيرا للقلق والجدل ومزعجا في الوقت ذاته…

ومن موقعه بوصفه حاميا رئيسيا لوسائل الإعلام السمعية البصرية في الفضاء الأوروبي.  شدد هذا المسؤول على الضرورة الملحّة لاتخاذ إجراءات تعديلية  في أقرب الآجال  إذ بدأت القنوات العمومية “معركتها من أجل البقاء”.

لكن المنتج الإخباري في مكاتب هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” بأوروبا “سيمون ويلسن” يرى مع ذلك أن الرد على التحديات المفروضة من جانب شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية يجب أن يكون من خلال تحسين جودة البرامج التي تبثها القنوات التلفزيونية العمومية.

ودائما ضمن هذا التمشّي العام،  يعتبر دافيد هيرست، رئيس تحرير ” Middle-East Eye” (لندن)  أن القنوات التقليدية، سواء العمومية أو الخاصة، فشلت في تناول الأحداث الكبرى ومعالجتها بالكيفية المطلوبة، داعيا إلى “العودة مجددا إلى المبادئ الأساسية التي قامت عليها المهنة الصحفية”.

وتشاطر كريستين بوحاجيار، مديرة مكتب وكالة الأنباء الفرنسية AFP في أوروبا هذا الرأي، وأقرّت بأنّه ينبغي “دعم مصداقيتنا” بالعمل من اجل وضع هذه الأولويات موضع التنفيذ:

*شجب الأخبار الملفّقة

*التثبّت من الوقائع

*توفير قاعدة بيانات صحفية

وقدّم رئيس التحرير في “الدايلي ستار” (بيروت) نديم لاذقي من جهته طرحا مغايرا لبقية المتدخلين معبرا عن “تفاؤله “بفرص بقاء وسائل الإعلام التقليدية على قيد الحياة، معلّلا موقفه هذا بحجتين اثنتين:

*عودة الجمهور إلى وسائل الإعلام المتميزة بحرفيتها بسبب الأخطاء التي ارتكبتها شبكات التواصل الاجتماعي، مما نزع عنها مصداقيتها كمصدر للمعلومة جدير بالاحترام.

*بإمكان وسائل الإعلام التقليدية أن تشكل أيضا “إعلاما بديلا” بفضل الخدمات التي توفّرها صلب الشبكة.

كما ساهمت في هذه المداولات المديرة العامة لموقع ” Huffpost Maghreb” سامية الشريف بالتطرق إلى مسألة المنوال الاقتصادي للجرائد الالكترونية “pure players ” الذين يعانون بدورهم من مشاكل خاصة. وتساءلت، بعد أن لاحظت أن الجانب الأكبر من ميزانيات الإشهار كانت من نصيب شبكة فيسبوك، عن الإمكانيات المتاحة أمام المواقع الالكترونية لكي تستكشف مصادر تمويل لفائدتها مثل الإشهار أو التجارة الالكترونية.

واستنتاجا لمختلف المواقف والمداخلات التي تخللت ورشات العمل بمشاركة ممثلي الأقطار من ضفتي المتوسّط، حرص “نوال كوران” على التذكير بانّ “النموذج الرقمي” هو الآن بارز للعيان في كل مكان وانّ مزودي المضامين هم الذين باتوا يوفّرون المصلحة المشتركة لجميع المنصّات دون استثناء.

نشر هذا المقال بالنسخة الفرنسية للمرصد العربي للصحافة وترجمه محمد حبيب بن سعيد

وسوم:

Send this to a friend